تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١١٤
أي المقتول المؤمن - ما روي عن جابر بن زيد - * (من قوم) * كفار * (بينكم وبينهم ميث‍اق) * أي عهد مؤقت أو مؤبد * (فدية) * أي فعلى قاتله دية * (مسلمة إلى أهله) * من أهل الإسلام إن وجدوا، ولا تدفع إلى ذوي قرابته من الكفار وإن كانوا معاهدين إذ لا يرث الكافر المسلم، ولعل تقديم هذا الحكم - كما قيل - مع تأخير نظيره فيما سلف للإشعار بالمسارعة إلى تسليم الدية تحاشيا عن توهم نقض الميثاق * (وتحرير رقبة مؤمنة) * كما هو حكم سائر المسلمين، ولعل إفراده بالذكر - ما قيل - أيضا مع اندراجه في حكم ما سبق في قوله سبحانه: * (ومن قتل مؤمنا خطأ) * الخ لبيان أن كونه فيما بين المعاهدين لا يمنع وجوب الدية كما منعه كونه بين المحاربين. وقيل: المراد بالمقتول هنا أحد أولئك القوم المعاهدين فيلزم قاتله تحرير الرقبة، وأداء الدية إلى أهله المشركين للعهد الذي بيننا وبينهم، وروي ذلك عن ابن عباس والشعبي وأبي مالك، واستدل بها على أن دية المسلم والذمي سواء لأنه تعالى ذكر في كل الكفارة والدية فيجب أن تكون ديتهما سواءا كما أن الكفارة عنهما سواء. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال: بلغنا أن دية المعاهد كانت كدية المسلم ثم نقصت بعد في آخر الزمان فجعلت مثل نصف دية المسلم؛ وأخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن دية أهل الكتاب كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم النصف من دية المسلمين وبذلك أخذ مالك. وعن الشافعي رضي الله تعالى عنه دية اليهودي والنصراني نصف دية المسلم ودية المجوسي ثلثا عشرها، وزعم بعضهم وجوب الدية أيضا فيما إذا كان المقتول من قوم عدو لنا وهو مؤمن لعموم الآية الأولى، وأن السكوت عن الدية في آيته لا ينفيها، وإنما سكت عنها لأنه لا يجب فيه دية تسلم إلى أهله لأنهم كفار بل تكون لبيت المال، فأراد أن يبين بالسكوت أن أهله لا يستحقون شيئا، وقال آخرون إن الدية تجب في المؤمن إذا كان من قوم معاهدين، وتدفع إلى أهله الكفار وهم أحق بديته لعهدهم، ولعل هؤلاء لا يعدون ذلك إرثا إذ لا يرث الكافر - ولو معاهدا - المسلم كما برهن عليه.
* (فمن لم يجد) * رقبة يحررها بأن لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها من الثمن * (فصيام) * أي فعليه صيام * (شهرين متتابعين) * قال مجاهد: لا يفطر فيهما ولا يقطع صيامهما، فإن فعل من غير مرض ولا عذر استقبل صيامهما جميعا، فإن عرض له مرض أو عذر صام ما بقي منهما، فإن مات ولم يصم أطعم عنه ستين مسكينا لكل مسكين مد، رواه ابن أبي حاتم. وأخرج عنه أيضا أنه قال: فمن لم يجد دية أو عتاقة فعليه الصوم، وبه أخذ من قال: إن الصوم لفاقد الدية والرقبة يجزيه عنهما، والاقتصار على تقدير الرقبة مفعولا - هو المروي عن الجمهور - وأخرج ابن جرير عن الضحاك أنه قال: الصيام لمن لم يجد رقبة، وأما الدية فواجبة لا يبطلها شيء، ثم قال - وهو الصواب - لأن الدية في الخطأ على العاقلة والكفارة على القاتل، فلا يجزىء صوم صائم عما لزم غيره في ماله، واستدل بالآية من قال: إنه لا إطعام في هذه الكفارة، ومن قال: ينتقل إليه عند العجز عن الصوم قاسه على الظهار وهو أحد قولين للشافعي رحمه الله تعالى، وبذكر الكفارة في الخطأ دون العمد، من قال: أن لا كفارة في العمد، والشافعي يقول: هو أولى بها من الخطأ * (توبة) * نصب على أنه مفعول له أي شرع لكم ذلك توبة أي قبولا لها من تاب الله تعالى عليه إذا قبل توبته، وفيه إشارة إلى التقصير بترك الاحتياط.
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»