تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٥ - الصفحة ١٠٤
فلا ينبغي أن يلاحظوا الناس في تركه وعدم الالتفات إليه * (والآخرة خير لمن اتقى) * فينبغي أن يتحملوا الملامة في تحصيلها * (ولا تظلمون فتيلا) * (النساء: 77) مما كتب لكم فينبغي عدم خشية سوى الله تعالى * (أينما تكونوا يدرككم الموت) * وتفارقون ولا بد من تخشون فراقه إن سلكتم ففارقوهم بالسلوك وهو الموت الاختياري قبل أن تفارقوهم بالهلاك وهو الموت الاضطراري * (ولو كنتم في بروج مشيدة) * أي أجساد قوية:
فمن يك ذا عظم صليب رجابه * ليكسر عود الدهر فالدهر كاسره * (وإن تصبهم) * أي المحجوبين * (حسنة) * أي شيء يلائم طباعهم * (يقولوا هذه من عند الله) * فيضيفونها إلى الله تعالى من فرح النفس ولذة الشهوة لاتبعت المعرفة والمحبة * (وإن تصبهم سيئة) * أي شيء تنفر عنه طباعهم وإن كان على خلاف ذلك في نفس الأمر * (يقولوا) * لضيق أنفسهم * (هذه من عندك) * فيضيفونها إلى غيره تعالى ويرجعون إلى الأسباب لعدم رسوخ الإيمان الحقيقي في قلوبهم * (قل كل من عند الله) * وهذا دعاء لهم إلى توحيد الأفعال، ونفي التأثير عن الأغيار، والإقرار بكونه سبحانه خالق الخير والشر * (فمال هؤلاء القوم) * المحجوبين * (لا يكادون يفقهون حديثا) * (النساء: 78) لاحتجابهم بصفات النفوس وارتياج آذان قلوبهم التي هي أوعية السماع والوعي، ثم زاد سبحانه في البيان بقوله عز وجل: * (ما أصابك من حسنة) * صغرت أو عظمت * (فمن الله) * تعالى أفاضها حسب الاستعداد الأصلي * (وما أصابك من سيئة) * حقرت أو جلت * (فمن نفسك) * أي من قبلها بسبب الاستعداد الحادث بسبب ظهور النفس بالصفات والأفعال الحاجبة للقلب المكدرة لجوهره حتى احتاج إلى الصقل بالرزايا والمصائب والبلايا والنوائب، لا من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم أو غيره * (وأرسلناك للناس رسولا) * فأنت الرحمة لهم فلا يكون من عندك شر عليهم * (وكفى بالله شهيدا) * (النساء: 79) على ذلك * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * (النساء: 80) لأنه صلى الله عليه وسلم مرآة الحق يتجلى منه للخلق، وقال بعض العارفين: إن باطن الآية إشارة إلى عين الجمع * (أفلا يتدبرون القرآن) * ليرشدهم إلى أنك رسول الله تعالى، وأن إطاعتك إطاعته سبحانه حيث إنه مشتمل على الفرق والجمع، وقيل: ألا يتدبرونه فيتعظون بكريم مواعظه ويتبعون محاسن أوامره، أو أفلا يتدبرونه ليعلموا أن الله جل شأنه تجلى لهم فيه * (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * (النساء: 82) أي لوجدوا الكثير منه مختلفا بلاغة وعدمها فيكون مثل كلام المخلوقين فيكون لهم مساغ إلى تكذيبه وعدم قبول شهادته، أو القول بأنه لا يصلح أن يكون مجلى لله تعالى، * (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) * إخبار عمن في مبادي السلوك أي إذا ورد عليهم شيء من آثار الجمال أو الجلال أفشوه وأشاعوه * (ولو ردوه) * أي عرضوه * (إلى الرسول) * إلى ما علم من أحواله، وما كان عليه * (وإلى أولي الأمر منهم) * وهم الراشدون الكاملون الذين نالوا مقام الوراثة المحمدية * (لعلمه) * أي لعلم مآله وأنه مما يذاع أو أنه لا يذاع * (الذين يستنبطونه) * ويتلقونه منهم أي من جهتهم وواسطة فيوضاتهم، والمراد بالموصول الرادون أنفسهم، وحاصل ذلك أنه لا ينبغي للمريد إذا عرض له في أثناء سيره وسلوكه شيء من آثار الجمال أو الجلال أن يفشيه لأحد قبل أن يعرضه على شيخه فيوقفه على حقيقة الحال فإن في إفشائه قبل ذلك ضررا كثيرا * (ولولا فضل الله عليكم) * أيها الناس بالواسطة العظمى رسول الله صلى الله عليه وسلم * (ورحمته) * بالمرشدين الوارثين * (لاتبعتم الشيطان) * والنفس أعظم جنوده إن لم تكنه * (إلا قليلا) * (النساء: 83) وهم السالكون بواسطة نور إلهي أفيض عليهم فاستغنوا به كبعض أهل الفترة، قيل: وهم على قدم الخليل عليه الصلاة والسلام * (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) * أي قاتل من يخالفك
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»