استشهد * (ثم صرفكم عنهم) * أي كفكم عنهم حتى تحولت الحال من الغلبة إلى ضدها * (ليبتليكم) * أي ليعاملكم معاملة من يمتحن ليبين أمركم وثباتكم على الإيمان ففي الكلام استعارة تمثيلية، وإلا فالامتحان محال على الله تعالى، وفي - حتى - هنا قولان، أحدهما: أنها حرف جر بمنزلة إلى ومتعلقها * (تحسونهم) * أو * (صدقكم) * أو محذوف تقديره دام لكم ذلك، وثانيهما: أنها حرف ابتداء دخلت على الجملة الشرطية من إذا وما بعدها وجواب * (إذا) * قيل: * (تنازعتم) *، والواو زائدة واختاره الفراء، وقيل: * (صرفكم) * و * (ثم) * زائدة وهو ضعيف جدا والصحيح أنه محذوف وعليه البصريون، وقدره أبو البقاء: بأن أمركم، وأبو حيان: انقسمتم إلى قسمين بدليل ما بعده، والزمخشري: منعكم نصره، وابن عطية: انهزمتم ولكل وجهة، وبعض المتأخرين امتحنكم، ورد بجعل الابتداء غاية للصرف المترتب على منع النصر، وعلى كل تقدير يكون * (صرفكم) * معطوفا على ذلك المحذوف، وقيل: إن * (إذا) * اسم كما في قولهم: إذا يقوم زيد إذا يقوم عمرو؛ و * (حتى) * حرف جر بمعنى إلى متعلقة ب * (صدقكم) * باعتبار تضمنه معنى النصر كأنه قيل: لقد نصركم الله تعالى إلى وقت فشلكم وتنازعكم الخ، و * (ثم صرفكم) * حينئذ عطف على ذلك، وهاتان الجملتان الظرفيتان اعتراض بين المتعاطفين.
* (ولقد عفا عنكم) * بمحض التفضل أو لما علم من عظيم ندمكم على المخالفة، وقيل: والمراد بذلك العفو عن الذنب وهو عام لسائر المنصرفين. ويؤيد ذلك ما أخرجه البخاري عن عثمان بن موهب قال: جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال: إني سائلك عن شيء فحدثني به أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان بن عفان فر يوم أحد؟ قال: نعم قال: فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم فكبر فقال ابن عمر: تعال لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله تعالى عفا عنه، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه. وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث عثمان فكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال النبي صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى وضرب بها على يده فقال: هذه يد عثمان اذهب بها الآن معك، وقال البلخي: إنه عفو عن الاستئصال، وروي ذلك عن ابن جريج، وزعم أبو علي الجبائي أنه خاص بمن لم يعص الله تعالى بانصرافه والكل خلاف الظاهر. وقد يقال: الداعي لقول البلخي: إن العفو عن الذنب سيأتي ما يدل عليه بأصرح وجه، والتأسيس خير من التأكيد، وكلام ابن عمر رضي الله تعالى عنه ليس فيه أكثر من أن تعالى عفا عن ذنب الفارين وهو صريح الآية الآتية، وأما أنه يفهم منه ولو بالإشعار أن المراد من العفو هنا العفو عن الذنب فلا أظن منصفا يدعيه.
* (والله ذو فضل على المؤمنين) * تذييل مقرر لمضمون ما قبله وفيه إيذان بأن ذلك العفو ولو كان بعد التوبة بطريق التفضل لا الوجوب أي شأنه أن يتفضل عليهم بالعفو أو في جميع الأحوال أديل لهم أو أديل عليهم إذ الابتلاء أيضا رحمة، والتنوين للتفخيم، والمراد بالمؤمنين إما المخاطبون، والإظهار في مقام الإضمار للتشريف والإشعار بعلة الحكم، وإما الجنس ويدخلون فيه دخولا أوليا ولعل التعميم هنا وفيما قبله أولى من التخصيص، وتخصيص الفضل بالعفو أولى من تخصيصه بعدم الاستئصال كما زعمه البعض.
* (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم فىأخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا مآ أصابكم والله خبير بما تعملون) *.
* (إذ تصعدون) * متعلق بصرفكم أو بيبتليكم وتعلقه - بعفا - كما قال الطبرسي: ليس بشيء، ومثله تعلقه كما قال أبو البقاء، بعصيتم؛