تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٤٦
بمعنى أوله اللهم إلا أن يقال: إنه وإن لم يكن نصا لكنه ظاهر قريب من النص لأن كون الوجه بمعنى الجهة المذكورة وإن جاء في اللغة إلا أن كون الفور كذلك في حيز المنع واحتمال كونه من وجه الدهر عنى أوله يجع إلى ما قالوا فتدبر.
واعلم أن هذا الإمداد وقع تدريجا فكان أولا بألف ثم صاروا ألفين ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف لا غير؛ فمعنى يمددكم بخمسة آلاف يمددكم بتمام خمسة آلاف، وإليه ذهب الحسن، وقال غيره: كانت الملائكة ثمانية آلاف فالمعنى يمددكم بخمسة آلاف أخر.
* (مسومين) * من التسويم وهو إظهار علامة الشيء، والمراد معلمين أنفسهم أو خيلهم، وقد اختلفت الروايات في ذلك، فعن عبد الله بن الزبير أن الزبير كانت عليه عمامة صفراء معتجرا بها فنزلت الملائكة وعليهم عمائم صفر، وأخرج ابن إسحق والطبراني عن ابن عباس أنه قال: كانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرسلوها في ظهورهم، ويوم حنين عمائم حمر، وفي رواية أخرى عنه لكن بسند ضعيف أنها كانت يوم بدر بعمائم سود ويوم أحد بعمائم حمر. وأخرج ابن أبي شيبة وغيره عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: كانت سيماء الملائكة يوم بدر الصوف الأبيض في نواصي الخيل وأذنابها وكانوا كما قال الربيع على خيل بلق، وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أنهم كانوا مسومين بالعهن الأحمر، وأخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد أنه قال: كانوا معلمين مجزوزة أذناب خيولهم ونواصيها فيها الصوف والعهن، وأنت تعلم أنه لا مانع من أن يكونوا معلمين أنفسهم وخيولهم أيضا وهذا على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم * (مسومين) * بكسر الواو، وأما على قراءة الباقين * (مسومين) * بفتح الواو على أنه اسم مفعول فقيل: المراد به معلمين من جهة الله تعالى، وقيل: مرسلين مطلقين، ومنه قولهم: ناقة سائمة أي مرسلة في المرعى، وإليه ذهب السدي والمتبادر على هذه القراءة أن الإسامة لهم، وأما أنها كانت لخيلهم فغير ظاهر.
* (وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم) *.
* (وما جعله الله) * أي الامداد المفهوم من الفعل المقدر المدلول عليه بقوة الكلام كأنه قيل: فأمدكم الله تعالى بما ذكر وما جعل الله تعالى ذلك الإمداد * (إلا بشرى لكم) * وقيل: الضمير للوعد بالإمداد، وقيل: للتسويم أو للتنزيل أو للنصر المفهوم من نصركم السابق ومتعلق البشارة غيره، وقيل: للإمداد المدلول عليه بأحد الفعلين، والكل ليس بشيء كما لا يخفى، والبشرى إما مفعول له، و (جعل) متعدية لواحد أو مفعول لها إن جعلت متعدية لاثنين، وعلى الأول: الاستثناء مفرغ من أعم العلل أي وما جعل إمدادكم بإنزال الملائكة لشيء من الأشياء إلا للبشارة لكم بأنكم تنصرون، وعلى الثاني: مفرغ من أعم المفاعيل أي وما جعله الله تعالى شيئا من الأشياء إلا بشرى لكم. والجملة ابتداء كلام غير داخل في حيز القول بل مسوق من جنابه تعالى لبيان أن الأسباب الظاهرة بمعزل عن التأثير بدون إذنه سبحانه وتعالى، فإن حقيقة النصر مختص به عز اسمه ليثق به المؤمنون ولا يقنطوا منه عند فقدان أسبابه وأماراته وهي معطوفة على فعل مقدر كما أشرنا إليه، ووجه الخطاب نحو المؤمنين تشريفا لهم وإيذانا بأنهم هم المحتاجون لما ذكر، وأما رسوله صلى الله عليه وسلم فغني عنه بما من به عليه من التأييد الروحاني والعلم الرباني.
* (ولتطمئن قلوبكم به) * أي ولتسكن قلوبكم بالإمداد فلا تخافوا كثرة عدد العدو وقلة عددكم وهذا إما معطوف على * (بشرى) * باعتبار الموضع وهو كالمعطوف عليه علة غائية للجعل إلا أنه نصب
(٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 ... » »»