إلا قصر حقيقة النصر كما في الأول أو النصر المعهود كما في الثاني على ذلك، والقول بأنه متعلق بمحذوف والتقدير فعل ذلك التدبير، أو أمدكم بالملائكة ليقطع منقطع عن القبول، والقطع الإهلاك، والمراد من الطرف طائفة منهم قيل: ولم يعبر عن تلك الطائفة بالوسط بل بالطرف لأن أطراف الشيء يتوصل بها إلى توهينه وإزالته، وقيل: لأن الطرف أقرب إلى المؤمنين فهو كقوله تعالى: * (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) * (التوبة: 123) وقيل: للإشارة إلى أنهم كانوا أشرافا، ففي " الأساس " هو من أطراف العرب أي (من) أشرافها، ولعل إطلاق الأطراف على الأشراف لتقدمهم في السير، ومن ذلك قالوا: الأطراف منازل الأشراف فلا يرد أن الوسط أيضا يشعر بالشرف، فالمعنى ليهلك صناديد الذين كفروا ورؤساءهم المتقدمين فيهم بقتل وأسر، وقد وقع ذلك في بدر كما قال الحسن والربيع وقتادة، فقد قتل من أولئك سبعون وأسر سبعون، واعتبار ذلك في أحد حيث قتل فيه ثمانية عشر رجلا من رؤسائهم قول لبعضهم وقد استبعدوه كما أشرنا إليه.
* (أو يكبتهم) * أي يخزيهم قاله قتادة والربيع ومنه قول ذي الرمة: لم أنس من شجن لم أنس موقفنا * في حيرة بين مسرور (ومكبوت) وقال الجبائي والكلبي: أي يردهم منهزمين، وقال السدي: أي يلعنهم وأصل الكبت الغيظ والغم المؤثر، وقيل: صرع الشيء على وجهه، وقيل: إن كبته يكون بمعنى كبده أي أصاب كبده كرآه بمعنى أصاب رئته، ومنه قوله المتنبي: لأكبت حاسدا وأرى عدوا * كأنهما وداعك والرحيل والآية محمولة على ذلك، ويؤيد هذا القول أنه قرىء (ويكبدهم) وأو للتنويع دون الترديد لوقوع الأمرين * (فينقلبوا خائبين) * أي فينهزموا منقطعي الآمال فالخيبة انقطاع الأمل، وفرقوا بينها وبين اليأس بأن الخيبة لا تكون إلا بعد الأمل واليأس يكون بعده وقبله، ونقيض الخيبة الظفر، ونقيض اليأس الرجاء.
* (ليس لك من الامر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) *.
* (ليس لك من الأمر شيء) * أخرج غير واحد " أن رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم السفلى اليمنى أصيبت يوم أحد أصابها عتبة بن أبي وقاص وشجه في وجهه فكان سالم مولى أبي حذيفة أو علي كرم الله تعالى وجهه يغسل الدم والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كيف يفلح قوم صنعوا هذا بنبيهم " فأنزل الله تعالى هذه الآية. وأخرج أحمد والبخاري والترمذي والنسائي وغيرهم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحرث بن هشام اللهم العن سهيل بن عمرو اللهم العن صفوان بن أمية فنزلت هذه الآية * (ليس لك من الأمر شيء) * الخ فتيب عليهم كلهم، وعن الجبائي أنه صلى الله عليه وسلم استأذن يوم أحد أن يدعو على الكفار لما آذوه حتى أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر ذلك اليوم قاعدا من الجراح وصلى المسلمون وراءه قعودا فلم يؤذن له ونزلت هذه الآية، وقال محمد بن إسحق والشعبي لما رأى صلى الله عليه وسلم والمسلمون ما فعل الكفار بأصحابه وبعمه حمزة من جدع الأنوف والآذان وقطع المذاكير قالوا لئن أدالنا الله تعالى منهم لنفعلن بهم مثل ما فعلوا بنا ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب قط فنزلت، وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو على المنهزمين عنه من أصحابه يوم أحد فنهاه الله تعالى عن ذلك وتاب عليهم ونزلت هذه الآية.