تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٣٥
وهي مذمومة وضدها الإناة وهي محمودة وإيثار (في) على إلى وكثيرا ما تتعدى المسارعة بها للإيذان كما قال شيخ الإسلام: بأنهم مستقرون في أصل الخير متقلبون في فنونه لا أنهم خارجون منتهون إليها وصيغة جمع القلة هنا تغني عن جمع الكثرة كما لا يخفى (وأولئك أي الموصوفون بتلك الصفات الجلية الشأن بسبب إتصافهم بها كما يشعر به العدول عن الضمير من الصالحين (أي من عداد الذين صلحت عند الله تعالى حالهم وهذا رد لقول اليهود: ما آمن به آلا شرارنا وقد ذهب الجل إلى أن في الآية إستغناءا بذكر أحد الفريقين عن الآخر على عادة العرب من الإكتفاء بذكر أحد الضدين عن الآخر والمراد ومنهم من ليسوا كذلك * (وما يفعلوا من خير) * أي طاعة متعدية أو سارية * (فلن يكفروه) * أي لن يحرموا ثوابه ألبتة، وأصل الكفر الستر ولتفسيره بما ذكرنا تعدي إلى مفعولين والخطاب قيل: لهذه الأمة وهو مرتبط بقوله تعالى: * (كنتم خير أمة) * (آل عمران؛ 110) وجميع ما بينهما استطراد، وقيل: لاولئك الموصوفين بالصفات المذكورة وفيه التفات؛ ونكتته الخاصة هنا الإشارة إلى أنهم لاتصافهم بهذه المزايا أهل لأن يخاطبوا، وقرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر بالياء في الفعلين، والباقون بالتاء فيهما غير أبي عمرو فإنه روي عنه أنه كان يخبر بهما، وعلى قراءة الغيبة يجوز أن يراد من الضمير ما أريد من نظائره فيما قبل ويكون الكلام حينئذ على وتيرة واحدة، ويحتمل أن يعود للأمة ويكون العدول إلى الغيبة مراعاة للأمة كما روعيت أولا في التعبير بأخرجت دون أخرجتم وهذه طريقة مشهورة للعرب في مثل ذلك. * (والله عليم بالمتقين) * أي بأحوالهم فيجازيهم وهذا تذييل مقرر لمضمون ما قبله. والمراد بالمتقين إما عام ويدخل المخاطبون دخولا أوليا وإما خاص بالمتقدمين وفي وضع الظاهر موضع المضمر إيذان بالعلة وأنه لا يفوز عنده إلا أهل التقوى، وعلى هذا يكون [بم قوله تعالى:
* (إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) *.
* (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أول‍ادهم من الله شيئا) * مؤكدا لذلك ولهذا فصل. والمراد من الموصول إما سائر الكفار فإنهم فاخروا بالأموال والأولاد حيث قالوا: * (نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين) * (سبأ: 35) فرد الله تعالى عليهم بما ترى عليهم، وإما بنو قريظة وبنو النضير حيث كانت معالجتهم بالأموال والأولاد. وروي هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: مشركو قريش وقيل وقيل ولعل من ادعى العموم وهو الظاهر قال بدخول المذكورين دخولا أوليا، والمراد من الإغناء الدفع، ويقال: أغنى عنه إذا دفع عنه ضررا لولاه لنزل به أي لن تدفع عنهم يوم القيامة أموالهم التي عولوا عليها في المهمات ولا من هو أرجى من ذلك وأعظم عندهم وهم أولادهم من عذاب الله تعالى لهم شيئا يسيرا منه، وقال بعضهم: المراد بالاغناء الإجزاء، ويقال: ما يغني عنك هذا أي ما يجزي عنك وما ينفعك، ومن للبدل أو الابتداء، وشيئا مفعول مطلق أي لن يجزي عنهم ذلك من عذاب الله تعالى شيئا من الإجزاء، وعلى التفسير الأول للإغناء وجعل هذا معنى حقيقيا له دونه يقال بالتضمين وأمر المفعولية عليه ظاهر لتعديه حينئذ.
* (وأول‍ئك) * أي الموصوفون بالكفر بسبب كفرهم * (أصح‍ابالنار) * أي ملازموها وهو معنى الأصحاب عرفا. * (هم فيها خالدون) * تأكيد لما يراد من الجملة الأولى واختيار الجملة الاسمية للايذان بالدوام والاستمرار
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»