تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٤٣
والجملة اعتراض للإيذان بأنه قد (صدر عنهم هناك) من الأقوال والأفعال ما لا ينبغي صدوره منهم، ومن ذلك قول أصحاب عبد الله بن جبير حين رأوا غلبة المسلمين على كفار قريش: قد غنم أصحابنا ونبقى نحن بلا غنيمة وجعلوا ينسلون رجلا فرجلا حتى أخلوا مراكزهم ولم يبق مع عبد الله سوى اثني عشر رجلا مع إيصاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بثبوتهم مكانهم.
* (إذ همت طآئفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون) *.
* (إذ همت) * قيل: بدل من * (إذ غدوت) * (آل عمران: 121) مبين لما هو المقصود بالتذكير. وجوز أن يكون ظرفا لتبوىء أو لغدوت أو لسميع عليم على سبيل التنازع أو لهما معا في رأي، وليس المراد تقييد كونه سميعا عليما بذلك الوقت * (طائفتان منكم) * أي فرقتان من المسلمين وهما حيان من الأنصار بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس وكانا جناحي عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن عباس وجابر بن عبد الله والحسن وخلق كثير، وقال الجبائي: همت طائفة من المهاجرين وطائفة من الأنصار * (أن تفشلا) * أي تضعفا وتجبنا حين رأوا انخذال عبد الله بن أبي بن سلول مع من معه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمنسبك من أن والفعل متعلق - بهمت - والباء محذوفة أي همت بالفشل وكان المراد به هنا لازمه لأن الفعل الاختياري الذي يتعلق الهم به والظاهر أن هذا الهم لم يكن عن عزم وتصميم على مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم ومفارقته لأن ذلك لا يصدر مثله عن مؤمن بل كان مجرد حديث نفس ووسوسة كما في قوله: أقول لها إذا جشأت وجاشت * مكانك تحمدي أو تستريحي ويؤيد ذلك قوله تعالى: * (والله وليهما) * أي ناصرهما والجملة اعتراض. وجوز أن تكون حالا من فاعل همت أو من ضميره في تفشلا مفيدة لاستبعاد فشلهما أو همهما مع كونهما في ولاية الله تعالى، وقرأ عبد الله والله وليهم بضمير الجمع على حد * (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) * الحجرات: 9).
* (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * أي عليه سبحانه لا على غيره كما يؤذن به تقديم المعمول وإظهار الاسم الجليل للتبرك به والتعليل وأل في * (المؤمنون) * للجنس ويدخل فيه الطائفتان دخولا أوليا، وفي هذا العنوان إشعار بأن الإيمان بالله تعالى من موجبات التوكل عليه، وحذف متعلق التوكل ليفيد العموم أي ليتوكلوا عليه عز شأنه في جميع أمورهم جليلها وحقيرها سهلها وحزنها.
* (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) *.
* (ولقد نصركم الله ببدر) * بيان لما يترتب على الصبر والتقوى إثر بيان ما ترتب على عدمهما أو مساقة لإيجاب التوكل على الله تعالى بتذكير ما يوجبه. وبدر كما قال الشعبي بئر لرجل من جهينة يقال له بدر فسميت به، وقال الواقدي: اسم للموضع، وقيل: للوادي وكانت كما قال عكرمة متجرا في الجاهلية. وقال قتادة: إن بدرا ماء بين مكة والمدينة التقى عليه النبي صلى الله عليه وسلم والمشركون وكان أول قتال قاتله النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في السابع عشر من شهر رمضان يوم الجمعة سنة اثنتين من الهجرة، والباء بمعنى - في - أي نصركم الله في بدر * (وأنتم أذلة) * حال من مفعول نصركم وأذلة جمع قلة لذليل، واختير على ذلائل ليدل على قلتهم مع ذلتهم، والمراد بها عدم العدة لا الذل المعروف فلا يشكل
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»