تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٤٤
دخول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخطاب إن قلنا به، وقيل: لا مانع من أن يراد المعنى المعروف ويكون المراد وأنتم أذلة في أعين غيركم وإن كنتم أعزة في أنفسكم، وقد تقدم الكلام على عددهم وعدد المشركين إذ ذاك.
* (فا اتقوا الله) * باجتناب معاصيه والصبر على طاعته ولم يصرح بالأمر بالصبر اكتفاءا بما سبق وما لحق مع الإشعار على ما قيل بشرف التقوى وأصالتها وكون الصبر من مباديها اللازمة لها وفي ترتيب الأمر بها على الإخبار بالنصر إعلام بأن نصرهم المذكور كان بسبب تقواهم فمعنى قوله تعالى: * (لعلكم تشكرون) * لعلكم تقومون بشكر ما أنعم به عليكم من النصر القريب بسبب تقواكم إياه، ويحتمل أن يكون كناية أو مجازا عن نيل نعمة أخرى توجب الشكر كأنه قيل: فاتقوا الله لعلكم تنالون نعمة من الله تعالى فتشكرونه عليها فوضع الشكر موضع الإنعام لأنه سبب له ومستعد إياه.
* (إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة ءالاف من المل‍ائكة منزلين) *.
* (إذ تقول للمؤمنين) * ظرف ل‍ * (نصركم) * (آل عمران: 123)، والمراد به وقت ممتد وقدم عليه الأمر بالتقوى إظهارا لكمال العناية، وقيل: بدل ثان من إذ غدوت (آل عمران: 121) وعلى الأول: يكون هذا القول ببدر، وعلى ذلك الحسن وغيره. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وغيرهما عن الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمد المشركين فشق ذلك عليهم فأنزل الله تعالى * (ألن يكفيكم) * الخ فبلغت كرزا الهزيمة فلم يمد المشركين؛ وعلى الثاني: يكون القول بأحد وكان مع اشتراط الصبر والتقوى عن المخالفة ولم يوجدا منهم فلم يمدوا، ونسب ذلك إلى عكرمة وقتادة في إحدى الروايتين عنه.
* (ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثل‍اثة ءال‍افمن المل‍ائكة منزلين) * الكفاية سد الحاجة وفوقها الغنى بناءا على أنه الزيادة على نفي الحاجة والإمداد في الأصل إعطاء الشيء حالا بعد حال، ويقال مد في السير إذا استمر عليه، وامتد بهم السير إذا طال واستمر، وعن بعضهم ما كان بطريق التقوية والإعانة يقال فيه أمده يمده إمدادا وما كان بطريق الزيادة يقال فيه: مده مدا، وقيل: يقال: مده في الشر وأمده في الخير والهمزة لإنكار أن لا يكفيهم ذلك، وأتى بلن لتأكيد النفي بناءا على ما ذهب إليه البعض، وفيه إشعار بأنهم كانوا حينئذ كالآيسين من النصر لقلة عددهم وعددهم، وفي التعبير بعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين ما لا يخفى من اللطف وتقوية الإنكار، وأن يمدكم في تأويل المصدر فاعل بيكفيكم ومن الملائكة بيان أو صفة لآلاف أو لما أضيف إليه. ومنزلين صفة لثلاثة آلاف، وقيل: حال من (الملائكة) وفي وصفهم بذلك إشارة إلى أنهم من أشرف الملائكة وقد أنزلوا على ما ذكره الشيخ الأكبر قدس سره من السماء الثالثة وذكر سر ذلك في " الفتوحات "، وقرىء منزلين بالتشديد للتكثير أو للتدريج، وقرىء مبنيا للفاعل من الصيغتين على معنى منزلين الرعب في قلوب أعدائكم أو النصر لكم والجمهور على كسر التاء من ثلاثة، وقد أسكنت في الشواذ ووقف عليها بإبدالها هاءا أيضا على أنه أجرى الوصل مجرى الوقف فيهما ويضعف ذلك أن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد.
* (بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم ه‍اذا يمددكم ربكم بخمسة ءالافمن المل‍ائكة مسومين) *.
* (بلى) * إيجاب لما بعد لن أي: بلى يكفيكم ذلك ثم وعدهم الزيادة بالشرط فقال سبحانه وتعالى * (إن تصبروا) * على مضض الجهاد وما أمرتم به * (وتتقوا) * ربكم بالاجتناب عن معاصيه وعدم المخالفة له * (ويأتوكم) * أي المشركون أو أصحاب كرز كما قال الشعبي:
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»