بعصيانهم واعتدائهم، والتعبير بصيغة الماضي والمضارع لما مر.
ثم إن جملة * (منهم المؤمنون) * (آل عمران: 110) وكذا جملة * (لن يضروكم) * (آل عمران: پ 11) وما عطف عليها واردتان على سبيل الاستطراد ولذا لم يعطفا على الجملة الشرطية قبلهما وإنما لم يعطف الاستطراد الثاني على الأول لتباعدهما وكون كل منهما نوعا من الكلام، وقال بعض المحققين: إن هاتين الجملتين مع ما بعدهما مرتبط بقوله تعالى: * (ولو آمن) * (آل عمران: 110) مبين له، فقوله سبحانه: * (منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) * (آل عمران: 110) عمبين لذلك باعتبار أن المفروض إيمان الجميع، وإلا فبعضهم مؤمنون رفعا لسوء الظن بالبعض، وقوله عز شأنه: * (لن يضروكم) * (آل عمران: 111) بيان لما هو خير لهم وهو أنهم لعدم إيمانهم مبتلون بمشقة التدبير لإضراركم وبالحزن على الخيبة وتدبير الغلبة عليكم بالمقابلة والغلبة لكم وفي طلب الرياسة بمخالفتكم وضرب الله تعالى عليهم الذلة لتلك المخالفة وفي طلب المال بأخذ الرشوة بتحريف كتابهم وضرب الله عليهم المسكنة، ولو آمنوا لنجوا من جميع ذلك انتهى ولا يخفى أن هذا على تقدير قبوله وتحمل بعده لا يأبى القول بالاستطراد لأنه أن يذكر في أثناء الكلام ما يناسبه وليس السياق له، وإنما يأبى الاعتراض ولا نقول به فتأمل.
هذا ومن باب الإشارة: * (لن تنالوا البر) * الذي هو القرب من الله * (حتى تنفقوا مما تحبون) * أي بعضه، والإشارة به إلى النفس فإنها إذا أنفقت في سبيل الله زال الحجاب الأعظم وهان إنفاق كل بعدها * (وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم) * (آل عمران: 92) فينبغي تحري ما يرضيه، ويحكى عن بعضهم أنه قال: المنفقون على أقسام: فمنهم من ينفق على ملاحظة الجزاء والعوض ومنهم من ينفق على مراقبة رفع البلاء والمحن ومنهم من ينفق اكتفاءا بعلمه ولله تعالى در من قال: ويهتز للمعروف في طلب العلا * لتذكر يوما عند سلمى شمائله * (كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه) * (آل عمران: 93) قيل: فائدة الإخبار بذلك تعليم أهل المحبة أن يتركوا ما حبب إليهم من الأطعمة الشهية واللذائذ الدنيوية رغبة فيما عند الله تعالى * (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة) * وهو الكعبة التي هي من أعظم المظاهر له تعالى حتى قالوا: إنها للمحمديين كالشجرة لموسى عليه السلام * (مباركا) * بما كساه من أنوار ذاته * (وهدى) * بما كساه من أنوار صفاته * (للعالمين) * (آل عمران: 96) على حسب استعدادهم * (فيه آيات بينات مقام إبراهيم) * المشتمل على الرضا والتسليم والانبساط واليقين والمكاشفة والمشاهدة والخلة والفتوة أو المعرفة والتوحيد والفناء والبقاء والسكر والصحو، أو جميع ذلك * (ومن دخله كان آمنا) * من غوائل نفسه لأنه مقام التمكين وتطبيق ذلك على ما في الأنفس أن البيت إشارة إلى القلب الحقيقي، ويحمل ما ورد أن البيت أول ما ظهر على وجه الماء عند خلق السماء والأرض وخلق قبل الأرض بألفي عام وكان زبدة بيضاء على وجه الماء فدحيت الأرض تحته على ذلك وظهوره على الماء حينئذ تعلقه بالنطفة عند خلق سماء الروح الحيوان وأرض البدن، وخلقه قبل الأرض إشارة إلى قدمه وحدوث البدن، وتقييد ذلك بألفي عام إشارة إلى تقدمه على البدن بطورين طور النفس وطور القلب تقدما بالرتبة إذ الألف رتبة تامة، وكونه زبدة بيضاء إشارة إلى صفاء جوهره، ودحو الأرض تحته إشارة إلى تكون البدن من تأثيره وكون أشكاله وصور أعضائه تابعة لهيئاته ولا يخفى أن محل تعلق الروح بالبدن واتصال القلب الحقيقي به أولا هو القلب الصنوبري وهو أول ما يتكون من الأعضاء وأول عضو يتحرك وأخر عضو يسكن فيكون