تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٣٢
فهذا الذي ذكره الشبلي هو الحج الذي يستأهل أن يقال له حج، ولله تعالى عباد أهلهم لذلك وأقدرهم على السلوك في هاتيك المسالك فحجهم في الحقيقة منه إليه وله فيه فمطافهم حظائر القربة على بساط الحشمة وموقفهم عرفة العرفان على ساق الخدمة ليس لهم غرض في الجدران والأحجار وهيهات هيهات ما غرض المجنون من الديار إلا الديار، ومن كفر وأعرض عن المولى بهوى النفس فإن الله غني عن العالمين فهو سبحانه غني عنه لا يلتفت إليه * (قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله) * الدالة على توحيده * (والله شهيد على ما تعملون) * (آل عمران: 98) إذ هو أقرب من حبل الوريد * (قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله) * بالإنكار على المؤمنين * (من آمن تبغونها عوجا) * بإيراد الشبه الباطلة * (وأنتم شهداء) * عالمون بأنها حق لا اعوجاج فيها * (وما الله بغافل عما تعملون) * (آل عمران: 99) فيجازيكم به * (يا أيها الذين آمنوا) * الإيمان الحقيقي * (إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب) * خوفا من إنكارهم ما أنتم عليه من الحقيقة والطريق الموصل إليه سبحانه * (يردوكم بعد إيمانكم) * الراسخ فيكم * (كافرين) * (آل عمران: 100) لأن إنكار الحقيقة كفر كإنكار الشريعة، * (ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) * (آل عمران: 101) أي من يعتصم به منه فقد اهتدى إليه به، قال الواسطي: ومن زعم أنه يعتصم به من غيره فقد جهل عظمة الربوبية، وحقيقة الاعتصام عند بعضهم انجذاب القلب عن الأسباب التي هي الأصنام المعنوية والتبري إلى الله تعالى من الحول والقوة، وقيل: الاعتصام للمحبين هو اللجأ بطرح السوي، ولأهل الحقائق رفع الاعتصام لمشاهدتهم أنهم في القبضة * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) * بصون العهود وحفظ الحدود والخمود تحت جريان القضاء بنعت الرضا، وقيل: حق التقوى عدم رؤية التقوى * (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * (آل عمران: 102) أي لا تموتن إلا على حال إسلام الوجود له أي ليكن موتكم هو الفناء في التوحيد * (واعتصموا بحبل الله جميعا) * (آل عمران: 103) وهو عهده الذي أخذه على العباد يوم * (ألست بربكم) * (الأعراف: 172) * (ولا تفرقوا) * باختلاف الأهواء * (واذكروا نعمة الله عليكم) * بالهداية إلى معالم التوحيد المفيد للمحبة في القلوب * (إذ كنتم أعداء) * لاحتجابكم بالحجب النفسانية والغواشي الطبيعية * (فألف بين قلوبكم) * بالتحاب في الله تعالى لتنورها بنوره * (فأصبحتم بنعمته) * عليكم * (إخوانا) * في الدين * (وكنتم على شفا حفرة من النار) * وهي مهوى الطبيعة الفاسقة وجهنم الحرمان * (فأنقذكم منها) * (آل عمران: 103) بالتواصل الحقيقي بينكم إلى سدرة مقام الروح وروح جنة الذات * (ولتكن منكم أمة) * كالعلماء العارفين أرباب الاستقامة في الدين * (يدعون إلى الخير) * أي يرشدون الناس إلى الكمال المطلق من معرفة الحق تعالى والوصول إليه * (ويأمرون بالمعروف) * المقرب إلى الله تعالى * (وينهون عن المنكر) * المبعد عنه تعالى * (وأولئك هم المفلحون) * (آل عمران: 104) الذين لم يبق لهم حجاب وهم خلفاء الله تعالى في أرضه * (ولا تكونوا كالذين تفرقوا) * واتبعوا الأهواء والبدع * (واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات) * الحجج العقلية والشرعية الموجبة للاتحاد واتفاق الكلمة * (وأولئك لهم عذاب عظيم) * (آل عمران: 105) وهو عذاب الحرمان من الحضرة * (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) * قالوا: ابيضاض الوجه عبارة عن تنور وجه القلب بنور الحق المتوجه إليه والإعراض عن الجهة السفلية النفسانية المظلمة ولا يكون ذلك إلا بالتوحيد واسوداده ظلمة وجه القلب بالإقبال على النفس الطالبة لحظوظها والإعراض عن الجهة العلوية النورانية * (فأما الذين اسودت وجوههم) * فيقال لهم * (أكفرتم) * أي احتجبتم عن الحق بصفات النفس * (بعد إيمانكم) * أي تنوركم بنور الاستعداد وصفاء الفطرة وهداية العقل * (فذوقوا العذاب) * وهو عذاب الاحتجاب عن الحق * (بما كنتم تكفرون) * (آل عمران: 106) به * (وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله) * الخاصة التي هي شهود الجمال * (هم فيها خالدون) * (آل عمران: 107) باقون بعد الفناء * (كنتم خير أمة أخرجت) * من مكامن الأزل * (للناس) * أي لنفعهم * (تأمرون بالمعروف) * الموصل إلى مقام التوحيد * (وتنهون عن المنكر) * وهو القول بتحقق الكثرة على الحقيقة * (ولو آمن أهل الكتاب) * كإيمانكم
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»