كفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإيمان به قبل مبعثه - وإليه ذهب عكرمة - واختاره الزجاج والجبائي.
وقيل: هم جميع الكفار لإعراضهم عما وجب عليهم من الإقرار بالتوحيد حين أشهدهم على أنفسهم * (ألست بربكم قالوا بلى) * (الأعراف: 172) وروي ذلك عن أبي بن كعب، ويحتمل أن يراد بالإيمان الإيمان بالقوة والفطرة وكفر جميع الكفار كان بعد هذا الإيمان لتمكنهم بالنظر الصحيح والدلائل الواضحة والآيات البينة من الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعن الحسن أنهم المنافقون أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم فالإيمان على هذا مجازي، وقيل: إنهم أهل البدع والأهواء من هذه الأمة، وروي ذلك عن علي كرم الله تعالى وجهه وأبي أمامة وابن عباس وأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه.
* (فذوقوا العذاب) * أي المعهود الموصوف بالعظم والأمر للإهانة لتقرر المأمور به وتحققه، وقيل: يحتمل أن يكون أمر تسخير بأن يذوق العذاب كل شعرة من أعضائهم نعوذ بالله تعالى من غضبه، والفاء للإيذان بأن الأمر بذوق العذاب مترتب على كفرهم المذكور كما يصرح به قوله سبحانه: * (بما كنتم تكفرون) * فالباء للسببية، وقيل: للمقابلة من غير نظر إلى التسبب وليست بمعنى اللام ولعله سبحانه أراد * (بعد إيمانكم) * والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على استمرار كفرهم أو على مضيه في الدنيا.
* (وأما الذين ابيضت وجوههم ففى رحمة الله هم فيها خالدون) *.
* (وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله) * أي الجنة فهو من التعبير بالحال عن المحل والظرفية حقيقية، وقد يراد بها الثواب فالظرفية حينئذ مجازية كما يقال: في نعيم دائم وعيش رغد - وفيه إشارة إلى كثرته وشموله للمذكورين شمول الظرف ولا يجوز أن يراد بالرحمة ما هو صفة له تعالى إذ لا يصح فيها الظرفية ويدل على ما ذكر مقابلتها بالعذاب ومقارنتها للخلود في قوله تعالى: * (هم فيها خالدون) * وإنما عبر عن ذلك بالرحمة إشعارا بأن المؤمن وإن استغرق عمره في طاعة الله تعالى فإنه لا ينال ما ينال إلا برحمته تعالى ولهذا ورد في الخبر " لن يدخل أحدكم الجنة عمله فقيل له: حتى أنت يا رسول الله؟ فقال: حتى أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمته " وجملة هم فيها خالدون استئنافية وقعت جوابا عما نشأ من السياق كأنه قيل: كيف يكونون فيها؟ فأجيب بما ترى وفيها تأكيد في المعنى لما تقدم، وقيل: خبر بعد خبر وليس بشيء، وتقديم الظرف للمحافظة على رؤوس الآي، والضمير المجرور للرحمة، ومن أبعد البعيد جعله للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلافا لمن قال به، وجعل الكلام عليه بيانا لسبب كونهم في رحمة الله تعالى وكون مقابلهم في العذاب كأنه قيل: ما بالهم في رحمة الله تعالى؟ فأجيب بأنهم كانوا خالدين في الخيرات، وقرىء - ابياضت واسوادت -.
* (تلك ءايات الله نتلوها عليك با الحق وما الله يريد ظلما للعالمين) *.
* (تلك) * أي التي مر ذكرها وعظم قدرها * (ءايات الله نتلوها عليك) * أي نقرؤها شيئا فشيئا، وإسناد ذلك إليه تعالى مجاز إذ التالي جبريل عليه السلام بأمره سبحانه وتعالى وفي عدوله عن الحقيقة مع الالتفات إلى التكلم بنون العظمة ما لا يخفى من العناية بالتلاوة والمتلو عليه، والجملة الفعلية في موضع الحال من الآيات والعامل فيها معنى الإشارة. وجوز أن تكون في موضع الخبر لتلك، و * (آيات) * بدل منه، وقرىء * (يتلوها) * على صيغة الغيبة. * (بالحق) * أي متلبسة أو متلبسين بالصدق أو بالعدل في جميع ما دلت عليه تلك الآيات ونطقت به فالظرف في موضع الحال المؤكدة من الفاعل أو المفعول.
* (وما الله يريد ظلما للعالمين) * بأن يحلهم من العقاب