تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٧
ما لا يستحقونه عدلا أو ينقصهم من الثواب عما استحقوه فضلا، والجملة مقررة لمضمون ما قبلها على أتم وجه حيث نكر * (ظلما) * ووجه النفي إلى إرادته بصيغة المضارع المفيد بمعونة المقام دوام الانتفاء، وعلق الحكم بآحاد الجمع المعرف والتفت إلى الاسم الجليل؛ والظلم وضع الشيء في غير موضعه اللائق به أو ترك الواجب وهو يستحيل عليه تعالى للأدلة القائمة على ذلك ونفي الشيء لا يقتضي إمكانه فقد ينفى المستحيل كما في قوله تعالى: * (لم يلد ولم يولد) * (الإخلاص: 3)، وقيل: الظاهر أن المراد أن الله لا يريد ما هو ظلم من العباد فيما بينهم لا أن كل ما يفعل ليس ظلما منه لأن المقام مقام بيان أنه لا يضيع أجر المحسنين ولا يهمل الكافر ويجازيه بكفره، ولو كان المراد أن كل ما يفعل ليس ظلما لا يستفاد هذا، وفيه ما لا يخفى.
* (ولله ما فى السماوات وما فى الارض وإلى الله ترجع الامور) *.
* (ولله ما في السماوات وما في الأرض) * أي له سبحانه وحده ما فيهما من المخلوقات ملكا وخلقا وتصرفا والتعبير بما للتغليب أو للإيذان بأن غير العقلاء بالنسبة إلى عظمته كغيرهم * (وإلى الله ترجع الأمور) * أي أمورهم فيجازي كلا بما تقتضيه الحكمة من الثواب والعقاب، وتقديم الجار للحصر أي إلى حكم الله تعالى وقضائه لا إلى غيره شركة أو استقلالا، والجملة مقررة لمضمون ما ورد في جزاء الفريقين، وقيل: معطوفة على ما قبلها مقررة لمضمونه والإظهار في مقام الإضمار لتربية المهابة، وقرأ يحيى بن وثاب (ترجع) بفتح التاء وكسر الجيم في جميع القرآن.
* (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو ءامن أهل الكت‍ابلكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الف‍اسقون) *.
* (كنتم خير أمة) * كلام مستأنف سيق لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الاتفاق على الحق والدعوة إلى الخير كذا قيل، وقيل: هو من تتمة الخطاب الأول في قوله سبحانه وتعالى: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) * (آل عمران: 102) وتوالت بعد هذا خطابات المؤمنين من أوامر ونواهي واستطرد بين ذلك من يبيض وجهه ومن يسود وشيء من أحوالهم في الآخرة، ثم عاد إلى الخطاب الأول تحريضا على الانقياد والطواعية - وكان - ناقصة ولا دلالة لها في الأصل على غير الوجود في الماضي من غير دلالة على انقطاع أو دوام، وقد تستعمل للأزلية كما في صفاته تعالى نحو * (وكان الله بكل شيء عليما) * (الأحزاب: 40) وقد تستعمل للزوم الشيء وعدم انفكاكه نحو * (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) * (الكهف: 54)، وذهب بعض النحاة إلى أنها تدل بحسب الوضع على الانقطاع كغيرها من الأفعال الناقصة والمصحح هو الأول وعليه لا تشعر الآية بكون المخاطبين ليسوا خير أمة الآن، وقيل: المراد كنتم في علم الله تعالى أو في اللوح المحفوظ أو فيما بين الأمم أي في علمهم كذلك، وقال الحسن: معناه أنتم خير أمة، واعترض بأنه يستدعي زيادة كان وهي لا تزاد في أول الجملة.
* (أخرجت) * أي أظهرت وحذف الفاعل للعلم به * (للناس) * متعلق بما عنده، وقيل: بخير أمة، وجملة أخرجت صفة - لأمة - وقيل: لخير، والأول أولى، والخطاب قيل: لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وإليه ذهب الضحاك، وقيل: للمهاجرين من بينهم وهو أحد خبرين عن ابن عباس، وفي آخر أنه عام لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤيده ما أخرجه الإمام أحمد بسند حسن عن أبي الحسن كرم الله تعالى وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض وسميت أحمد وجعل التراب لي طهورا وجعلت أمتي خير الأمم " وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه أن الآية في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج ابن جرير عن عكرمة أنها نزلت في ابن مسعود وعمار بن ياسر
(٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 ... » »»