ليس بضرر وفيه نظر. والآية كما قال مقاتل: نزلت لما عمد رؤساء اليهود مثل كعب وأبي رافع وأبي ياسر وكنانة وابن صوريا إلى مؤمنيهم كعبد الله بن سلام وأصحابه، وآذوهم لإسلامهم وكان إيذاءا قوليا على ما يفهمه كلام قتادة وغيره، وكان ذلك الافتراء على الله تعالى كما قاله الحسن.
* (وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار) * أي ينهزموا من غير أن يظفروا منكم بشيء، وتولية الأدبار كناية عن الانهزام معروفة. * (ثم لا ينصرون) * عطف على جملة الشرط والجزاء، و * (ثم) * للترتيب والتراخي الإخباري أي لا يكن لهم نصر من أحد ثم عاقبتهم العجز والخذلان إن قاتلوكم أو لم يقاتلوكم. وفيه تثبيت للمؤمنين على أتم وجه. وقرىء (ثم لا ينصروا) والجملة حينئذ معطوفة على جزاء الشرط، وثم للتراخي في الرتبة بين الخبرين لا في الزمان لمقارنته، وجوز بعضهم كونها للتراخي في الزمان على القراءتين بناءا على اعتباره بين المعطوف عليه وآخر أجزاء المعطوف، وقراءة الرفع أبلغ لخلوها عن القيد.
وفي هذه الآية دلالة واضحة على نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ولكونها من الإخبار بالغيب الذي وافقه الواقع لأن يهود بني قينقاع وبني قريظة والنضير ويهود خيبر حاربوا المسلمين ولم يثبتوا ولم ينالوا شيئا منهم ولم تخفق لهم بعد ذلك راية ولم يستقم أمر ولم ينهضوا بجناح.
* (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وبآءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذالك بأنهم كانوا يكفرون باايات الله ويقتلون الانبيآء بغير حق ذالك بما عصوا وكانوا يعتدون) *.
* (ضربت عليهم الذلة) * أي ذلة هدر النفس والمال والأهل، وقيل: ذلة التمسك بالباطل وإعطاء الجزية، قال الحسن: أذلهم الله تعالى فلا منعة لهم وجعلهم تحت أقدام المسلمين وهذا من ضرب الخيام والقباب كما قاله أبو مسلم، قيل: ففيه استعارة مكنية تخييلية، وقد يشبه إحاطة الذلة واشتمالها عليهم بذلك على وجه الاستعارة التبعية، وقيل: هو من قولهم: ضرب فلان الضريبة على عبده أي ألزمها إياه فالمعنى ألزموا الذلة وثبتت فيهم فلا خلاص لهم منها * (أين ما ثقفوا) * أي وجدوا، وقيل: أخذوا وظفر بهم، و * (أينما) * شرط، وما زائدة وثقفوا في موضع جزم وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أو هو بنفسه على رأي * (إلا بحبل من الله وحبل من الناس) * استثناء مفرغ من أعم الأحوال، والمعنى على النفي أي لا يسلمون من الذلة في حال من الأحوال إلا في حال أن يكونوا معتصمين بذمة الله تعالى أو كتابه الذي أتاهم وذمة المسلمين فإنهم بذلك يسلمون من القتل والأسر وسبي الذراري واستئصال الأموال. وقيل: أي إلا في حال أن يكونوا متلبسين بالإسلام واتباع سبيل المؤمنين فإنهم حينئذ يرتفع عنهم ذل التمسك والإعطاء * (وبآءوا بغضب من الله) * أي رجعوا به وهو كناية عن استحقاقهم له واستيجابهم إياه من قولهم باء فلان بفلان إذا صار حقيقا أن يقتل به، فالمراد صاروا أحقاء بغضبه سبحانه والتنوين للتفخيم والوصف مؤكد لذلك * (وضربت عليهم المسكنة) * فهم في الغالب مساكين وقلما يوجد يهودي يظهر الغنى.
* (ذلك) * أي المذكور من المذكورات * (بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله) * الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم * (ويقتلون الأنبياء بغير حق) * أصلا، ونسبة القتل إليهم مع أنه فعل أسلافهم على نحو ما مر غير مرة * (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) * إشارة إلى كفرهم وقتلهم الأنبياء عليهم السلام على ما يقتضيه القرب فلا تكرار، وقيل: معناه أن ضرب الذلة وما يليه كما هو معلل بكفرهم وقتلهم فهو معلل