تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ٣٤
اللغوي الذي لا مدح فيه. والذي عليه بعض السلف أنها صلاة العتمة.
واستدل عليه بما أخرجه لإمام أحمد والنسائي وابن جرير والطبراني بسند حسن واللفظ للأخيرين عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: " أما إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب قال: وأنزلت هذه الآية * (ليسوا سواءا) * حتى بلغ * (والله عليم بالمتقين) * " (آل عمران: 115) وعليه تكون الجملة معطوفة على جملة * (يتلون) *، وقيل: مستأنفة ويكون المدح لهم بذلك لتميزهم واختصاصهم بتلك الصلاة الجليلة الشأن التي لم يتشرف بأدائها أهل الكتاب كما نطق به الحديث بل ولا سائر الأمم، فقد روى الطبراني بسند حسن أيضا عن المنكدر أنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وأنه أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد فقال: " أما إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها " ثم قال: " أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم " ولعل هذا هو السر في تقديم هذا الحكم على الحكم بالإيمان، ولا يرد عليه أن التلاوة لا تتيسر لهم إلا بصلاتهم منفردين ولا تمدح في الإنفراد مع أنه خلاف الواقع من حال القوم على ما يشير إليه الخبران لأنه لم تقيد التلاوة فيه بالصلاة وإنما يلزم التقييد لو كانت الجملة حالا من الضمير كما سبق وليس فليس.
والتعبير عن الصلاة بالسجود لأنه أدل على كمال الخضوع وهو سر التعبير به عنها في قوله صلى الله عليه وسلم لمن طلب أن يدعو له بأن يكون رفيقه في الجنة لفرط حبه له وخوف حيلولة الفراق يوم القيامة أعني بكثرة السجود، وكذا في كثير من المواضع، وقيل: المراد بها الصلاة ما بين المغرب والعشاء الآخرة وهي المسماة بصلاة الغفلة، وقيل: المراد بالسجود سجود التلاوة. وقيل: الخضوع كما في قوله تعالى: * (ولله يسجد من في السموات والأرض) * (الرعد: 15) واختيرت الجملة الإسمية للدلالة على الاستمرار وكرر الإسناد تقوية للحكم وتأكيدا له، واختيار صيغة المضارع للدلالة على التجدد.
(يؤمنون بالله واليوم الآخر (صفة أخرى لأمة وجوز أن تكون حالا على طرز ما قبلها وإن شئتكما قال أبو البقاء أستأنفتها والمراد بهذا الإيمان الإيمان بجميع ما يجب الإيمان به على الوجه المقبول وخص الله تعالى اليوم الآخر بالذكر إظهارا لمخالفتهم لسائر اليهود فيما عسى أن يتوهم متوهم مشاركتهم لهم فيه لأنهم يدعون أيضا الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر لكن لما كان ذلك مع قولهم: (عزيز إبن الله) وكفرهم ببعض الكتب والرسل ووصفهم اليوم الآخر بخلاف ما نطقت به الشريعة المصطفوية جعل هو والعدم سواء ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر إشارة إلى وفور نصيبهم من فضيلة تكميل الغير إثر الإشارة إلى وفوره من فضيلة تكميل النفس وفيه تعريض بالمداهنين الصادين عن سبيل الله تعالى (ويسارعون في الخيرات (أي يبادرون إلى فعل الخيرات والطاعات خوف الفوات بالموت مثلا أو يعملون الأعمال الصالحة راغبين فيها غير متثاقلين لعلمهم بجلالة موقعها وحسن عاقبتها وهذه صفة جامعة لفنون الفضائل والفواضل وفي ذكرها تعريض بتباطؤ اليهود وتثاقلهم عن ذلك وأصل المسارعة المبادرة وتستعمل بمعنى الرغبة وإختيار صيغة المفاعلة للمبالغة قيل: ولم يعبر بالعجلة للفرق بينها وبين السرعة فإن السرعة التقدم فيما يجوز أن يتقدم فيه وهي محمودة وضدها الإبطاء وهو مذموم والعجلة التقدم فيما لا ينبغي أن يتقدم فيه
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»