تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٨
ثابتا وواجبا على حد ضربت زيد شديد الضرب تريد الضرب الشديد فيكون قوله تعالى: * (فاتقوا الله ما استطعتم) * (التغابن: 16) بيانا لقوله تعالى: * (اتقوا الله حق تقاته) *.
وادعى أبو علي الجبائي أن القول بالنسخ باطل لما يلزم عليه من إباحة بعض المعاصي، وتعقبه الرماني بأنه إذا وجه قوله تعالى: * (اتقوا الله حق تقاته) * على أن يقوموا بالحق في الخوف والأمن لم يدخل عليه ما ذكره لأنه لا يمتنع أن يكون أوجب عليهم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى على كل حال، ثم أباح ترك الواجب عند الخوف على النفس كما قال سبحانه: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * (النحل: 106) وأنت تعلم أن ما ذكره الجبائي إنما يخطر بالبال حتى يجاب عنه إذا فسر * (حق تقاته) * على تقدير النسخ بما فسره هو به من ترك جميع المعاصي ونحوه وإن لم يفسر بذلك بل فسر بما جنح إليه القائل بالنسخ فلا يكاد يخطر ما ذكره ببال ليحتاج إلى الجواب، نعم يكون القول بإنكار النسخ حينئذ مبنيا على ما ذهب إليه المعتزلة من امتناع التكليف بما لا يطاق ابتداءا كما لا يخفى، وأصل تقاة وقية قلبت واوها المضمومة تاءا كما في تهمة وتخمة وياؤها المفتوحة ألفا، وأجاز فيها الزجاج ثلاثة أوجه: تقاة، ووقاة، وإقاة.
* (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * أي مخلصون نفوسكم لله عز وجل لا تجعلون فيها شركة لسواه أصلا، وذكر بعض المحققين أن الإسلام في مثل هذا الموضع لا يراد به الأعمال بل الإيمان القلبي لأن الأعمال حال الموت مما لا تكاد تتأتى ولذا ورد في دعاء صلاة الجنازة اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن أمته منا فأمته على الإيمان فأخذ الإسلام أولا والإيمان ثانيا لما أن لكل مقام مقالا، والاستثناء (مفرغ) من أعم الأحوال أي لا تموتن على حال من الأحوال إلا على حال تحقق إسلامكم وثباتكم عليه كما تفيده الجملة الاسمية، ولو قيل: إلا مسلمين لم يقع هذا الموقع والعامل في الحال ما قبل * (إلا) * بعد النقض والمقصود النهي عن الكون على حال غير حال الإسلام عند الموت، ويؤل إلى إيجاب الثبات على الإسلام إلى الموت إلا أنه وجه النهي إلى الموت للمبالغة في النهي عن قيده المذكور وليس المقصود النهي عنه أصلا لأنه ليس بمقدور لهم حتى ينهوا عنه، وفي التحبير للإمام السيوطي: ومن عجيب ما اشتهر في تفسير * (مسلمون) * قول العوام: أي متزوجون وهو قول لا يعرف له أصل ولا يجوز الإقدام على تفسير كلام الله تعالى بمجرد ما يحدث في النفس أو يسمع ممن لا عهدة عليه انتهى، وقرأ أبو عبد الله رضي الله تعالى عنه * (مسلمون) * بالتشديد ومعناه مستسلمون لما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم منقادون له؛ وفي هذه الآية تأكيد للنهي عن إطاعة أهل الكتاب.
* (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعدآء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذالك يبين الله لكم ءاي‍اته لعلكم تهتدون) *.
* (واعتصموا بحبل الله) * أي القرآن وروى ذلك بسند صحيح عن ابن مسعود. وأخرج غير واحد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض ".
وأخرج أحمد عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني تارك فيكم خليفتين كتاب الله عز وجل ممدود مابين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض " وورد بمعنى ذلك أخبار كثيرة وقيل: المراد بحبل الله الطاعة والجماعة، وروي ذلك عن ابن مسعود أيضا.
أخرج ابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن ثابت بن قطنة المزني قال: سمعت ابن مسعود يخطب وهو يقول: أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما حبل الله تعالى الذي أمر به، وفي رواية عنه حبل الله تعالى الجماعة، وروي ذلك أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأبي العالية أنه الإخلاص لله تعالى وحده وعن الحسن
(١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 ... » »»