والجواب عنه بأنه ليس الإسقاط عن غيرهم بفعلهم أولى من تأثيم غيرهم بتركهم يقال فيه: بل هو أولى لأنه قد ثبت نظيره شرعا من إسقاط ما على زيد بأداء عمرو ولم يثبت تأثيم إنسان بترك آخر فيتم ما قاله الجمهور.
واعترض القول بأن هذا هو الحقيق بالاستبعاد بأنه إنما يتأتى لو ارتبط التكليف في الظاهر بتلك الطائفة الأخرى بعينها وحدها لكنه ليس كذلك بل كلتا الطائفتين متساويتان في احتمال الأمر لهما وتعلقه بهما من غير مزية لإحداهما على الأخرى فليس في التأثيم المذكور تأثيم طائفة بترك أخرى فعلا كلفت به إذ كون الأخرى كلفت به غير معلوم بل كلتا الطائفتين متساويتان في احتمال كل أن تكون مكلفة به فالاستبعاد المذكور ليس في محله على أنه إذا قلنا بما اختاره جماعة من أصحاب المذهب الثاني من أن البعض مبهم آل الحال إلى أن المكلف طائفة لا بعينها فيكون المكلف القدر المشترك بين الطوائف الصادق بكل طائفة فجميع الطوائف مستوية في تعلق الخطاب بها بواسطة تعلقه بالقدر المشترك المستوي فيها فلا إشكال في اسم الجميع ولا يصير النزاع بهذا بين الطائفتين لفظيا حيث إن الخطاب حينئذ عم الجميع على القولين وكذا الإثم عند الترك لما أن في أحدهما دعوى التعليق بكل واحد بعينه، وفي الآخر دعوى تعلقه بكل بطريق السراية من تعلقه بالمشترك، وثمرة ذلك أن من شك أن غيره هل فعل ذلك الواجب لا يلزمه على القول بالسراية ويلزمه على القول بالابتداء ولا يسقط عنه إلا إذا ظن فعل الغير، ومن هنا يستغنى عن الجواب عما اعترض به من طرف الجمهور فلا يضرنا ما قيل فيه على أنه يقال على ما قيل: ليس الدين نظير ما نحن فيه كليا لأن دين زيد واجب عليه وحده بحسب الظاهر ولا تعلق له بغيره فلذا صح أن يسقط عنه بأداء غيره ولم يصح أن يأثم غيره بترك أدائه بخلاف ما نحن فيه فإن نسبة الواجب في الظاهر إلى كلتا الطائفتين على السواء فيه فجاز أن يأثم كل طائفة بترك غيرها لتعلق الوجوب بها بحسب الظاهر واستوائها مع غيرها في التعلق.
وأما قولهم: ولم يثبت تأثيم إنسان بأداء آخر فهو لا يطابق البحث إذ ليس المدعي تأثيم أحد بأداء غيره بل تأثيمه بترك فالمطابق ولم يثبت تأثيم إنسان بترك أداء آخر ويتخلص منه حينئذ بأن التعلق في الظاهر مشترك في سائر الطوائف فيتم ما ذهب إليه الإمام الرازي وأتباعه - وهو مختار ابن السبكي - خلافا لأبيه، إذا تحقق هذا فاعلم أن القائلين بأن المكلف البعض قالوا: إن من للتبعيض، وأن القائلين بأن المكلف الكل قالوا: إنها للتبيين، وأيدوا ذلك بأن الله تعالى أثبت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكل الأمة في قوله سبحانه: * (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) * (آل عمران: 110) ولا يقتضي ذلك كون الدعاء فرض عين فإن الجهاد من فروض الكفاية بالاجماع مع ثبوته بالخطابات العامة فتأمل.
* (وأولئك) * أي الموصوفون بتلك الصفات الكاملة. * (هم المفلحون) * أي الكاملون في الفلاح وبهذا صح الحصر المستفاد من الفصل وتعريف الطرفين، أخرج الإمام أحمد وأبو يعلى عن درة بنت أبي لهب قالت: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خير الناس؟ قال: آمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر وأتقاهم لله تعالى وأوصلهم للرحم ". وروى الحسن من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله تعالى وخليفة رسوله الله صلى الله عليه وسلم وخليفة كتابه، وروى - لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله تعالى عليكم سلطانا ظالما لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم ويدعو خياركم فلا يستجاب لهم وتستنصرون فلا تنصرون - والأمر بالمعروف يكون واجبا ومندوبا على حسب ما يؤمر به والنهي عن المنكر كذلك أيضا إن قلنا إن المكروه منكر شرعا، وأما إن فسر