تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٦
على صحة نبوته أو وأنتم عدول عند أهل ملتكم يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا وصفتكم هذه تقتضي خلاف ما أنتم عليه * (وما الله بغ‍افل عما تعملون) * تهديد لهم على ما صنعوا قيل: لما كان كفرهم ظاهرا ناسب ذكر الشهادة معه في الآية السابقة لأنها تكون لما يظهر ويعلم، أو ما هو بمنزلته - وصدهم عن سبيل الله - وما معه لما كان بالمكر والحيلة الخفية التي تروج على الغافل ناسب ذكر الغفلة معه في هذه الآية فلهذا ختم كلا من الآيتين بما ختم.
* (ياأيها الذين ءامنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكت‍ابيردوكم بعد إيم‍انكم ك‍افرين) *.
خطاب للأوس والخزرج على ما يقتضيه سبب النزول ويدخل غيرهم من المؤمنين في عموم اللفظ، وخاطبهم الله تعالى بنفسه بعد ما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بخطاب أهل الكتاب إظهارا لجلالة قدرهم وإشعارا بأنهم هم الأحقاء بأن يخاطبهم الله تعالى ويكلمهم فلا حاجة إلى أن يقال المخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم بتقدير قل لهم. والمراد من الفريق بعض غير معين أو هو شاس بن قيس اليهودي، وفي الاقتصار عليه مبالغة في التحذير ولهذا على ما قيل حذف متعلق الفعل، وقال بعضهم: هو على معنى إن تطيعوهم في قبول قولهم بإحياء الضغائن التي كانت بينكم في الجاهلية و * (كافرين) * إما مفعول ثان ليردوكم على تضمين الرد معنى التصيير كما في قوله: رمى الحدثان نسوة آل سعد * بمقدار سمدن له سمودا فرد شعورهن السود بيضا * ورد وجوههن البيض سودا أو حال من مفعوله، قالوا: والأول: أدخل في تنزيه المؤمنين عن نسبتهم إلى الكفر لما فيه من التصريح بكون الكفر المفروض بطريق القسر، و * (بعد) * يجوز أن يكون ظرفا - ليردوكم - وأن يكون ظرفا - لكافرين - وإيراده مع عدم الحاجة إليه لإغناء ما في الخطاب عنه واستحالة الرد إلى الكفر بدون سبق الإيمان وتوسيطه بين المنصوبين لإظهار كمال شناعة الكفر وغاية بعده من الوقوع إما لزيادة قبحه أو لممانعة الإيمان له كأنه قيل: بعد إيمانكم الراسخ، وفي ذلك من تثبيت المؤمنين ما لا يخفى وقدم توبيخ الكفار على هذا الخطاب لأن الكفار كانوا كالعلة الداعية إليه.
* (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم ءاي‍ات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم) *.
* (وكيف تكفرون) * أي على أي حال يقع منكم الكفر * (وأنتم تتلى عليكم ءايات الله) * الدالة على توحيده ونبوة نبيه صلى الله عليه وسلم * (وفيكم رسوله) * يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم يعلمكم الكتاب والحكمة ويزكيكم بتحقيق الحق وإزاحة الشبه، والجملة وقعت حالا من ضمير المخاطبين في * (تكفرون) * والمراد استبعاد أن يقع منهم الكفر وعندهم ما يأباه. وقيل: المراد التعجيب أي لا ينبغي لكم أن تكفروا في سائر الأحوال لا سيما في هذه الحال التي فيها الكفر أفظع منه في غيرها؛ وليس المراد إنكار الواقع كما في * (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا) * (البقرة: 28) الآية؛ وقيل: المراد بكفرهم فعلهم أفعال الكفرة كدعوى الجاهلية فلا مانع من أن يكون الاستفهام لإنكار الواقع، والأول أولى وفي الآية تأييس لليهود مما راموه، والأكثرون على تخصيص هذا الخطاب بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الأوس والخزرج منهم، ومنهم من جعله عاما لسائر المؤمنين وجميع الأمة، وعليه معنى كونه صلى الله عليه وسلم فيهم إن آثاره وشواهد نبوته فيهم لأنها باقية حتى يأتي أمر الله ولم يسند سبحانه التلاوة إلى رسوله عليه الصلاة والسلام إشارة إلى استقلال كل من الأمرين في الباب، وإيذانا بأن التلاوة كافية في الغرض من أي تال كانت.
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»