فهل تعرف العرب ذلك؟ فقال: نعم أما سمعت قول الأعشى:
فإني وما كلفتموني من أمركم * ليعلم من أمسى أعق * (وأحوبا) * وخصه بعضهم بالذنب العظيم؛ وقرأ الحسن حوبا بفتح الحاء وهو مصدر حاب يحوب حوبا. وقرىء - حابا - وهو أيضا مصدر كالقول والقال، وهو على القراءة المشهورة اسم لا مصدر خلافا لبعضهم، وتنوينه للتعظيم أي حوبا عظيما، ووصف بقوله تعالى: * (كبيرا) * للمبالغة في تهويل أمر المنهي عنه كأنه قيل: إنه من كبار الذنوب العظيمة لا من أفنائها.
* (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فا انكحوا ما طاب لكم من النسآء) * شروع في النهي عن منكر آخر كانوا يباشرونه متعلق بأنفس اليتامى أصالة وبأموالهم تبعا عقيب النهي عما يتعلق بأموالهم خاصة، وتأخيره عنه لقلة وقوع المنهي عنه بالنسبة إلى الأموال ونزوله منه منزلة المركب من المفرد مع كون المراد من اليتامى هنا صنفا مما أريد منه فيما تقدم، وذلك أنهم كانوا يتزوجون من تحل لهم من يتامى النساء اللاتي يلونهن لكن لا رغبة فيهن بل في مالهن ويسيئون صحبتهن ويتربصون بهن أن يمتن فيرثوهن فوعظوا في ذلك وهذا قول الحسن، ورواه ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عائشة رضي الله تعالى عنها، وأخرج هؤلاء من طريق آخر والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في " سننه " عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة رضي الله تعالى عنها عن هذه الآية فقالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها يشركها في مالها ويعجبه مالها وجمالها فيريد أن يتزوجها من غير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن، فالمراد من اليتامى المتزوج بهن والقرينة على ذلك الجواب فإنه صريح فيه - والربط يقتضيه - ومن النساء غير اليتامى كما صرحت به الحميراء رضي الله تعالى عنها لدلالة المعنى وإشارة لفظ النساء إليه، والإقساط العدل والإنصاف، وجعل بعض الهمزة فيه للإزالة فأصل معناه حينئذ إزالة القسوط أي الظلم والحيف، وقرأ النخعى تقسطوا بفتح التاء فقيل: هو من قسط بمعنى جار وظلم، ومنه * (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) * (الجن؛ 15) ولا مزيدة كما في قوله تعالى: * (لئلا يعلم) * (الحديد: 29)، وقيل: هو بمعنى أقسط فإن الزجاج حكى أن قسط بلا همز تستعمل استعمال أقسط.
واليتامى جمع يتيمة على القلب كما قيل أيامى والأصل أيائم ويتائم وهو كما يقال للذكور يقال للإناث، والمراد من الخوف العلم عبر عنه بذلك إيذانا بكون المعلوم مخوفا محذورا لا معناه الحقيقي لأن الذي علق به الجواب هو العلم بوقوع الجور المخوف لا الخوف منه وإلا لم يكن الأمر شاملا لمن يصبر على الجور ولا يخافه، وإن وما بعدها في تأويل مصدر فإن لم تقدر من كان منصوبا وكان الفعل واصلا إليه بنفسه وإن قدرت جاز فيه أمران: النصب عند سيبويه والجر عند الخليل، وما موصولة أو موصوفة وما بعدها صلتها أو صفتها، وأوثرت على من ذهابا إلى الوصف من البكر أو الثيب مثلا، وما تختص - أو تغلب - في غير العقلاء فيما إذا أريد الذات، وأما إذا أريد الوصف فلا كما تقول: ما زيد؟ في الاستفهام، أي أفاضل أم كريم؟ وأكرم ما شئت من الرجال تعني الكريم أو اللئيم.
وحكي عن الفراء أنها هنا مصدرية وأن المصدر المقدر بها وبالفعل مقدر باسم الفاعل أي - انكحوا الطيب