وليس هو - كقول القائل - والرحم لأفعلن كذا، ولقد فعلت كذا، فلا يكون متعلق النهي في شيء، والقول بأن المراد ههنا حكاية ما كانوا يفعلون في الجاهلية - لا يخفى ما فيه فافهم - وقد خرج ابن جني هذه القراءة على تخريج آخر، فقال في " الخصائص ": باب في أن المحذوف إذا دلت الدلالة عليه كان في حكم الملفوظ به من ذلك.
رسم دار وقفت في طلله أي رب رسم دار، وكان رؤبة إذا قيل له: كيف أصبحت؟ يقول: خير عافاك الله تعالى - أي بخير - يحذف الباء لدلالة الحال عليها، وعلى نحو من هذا تتوجه عندنا قراءة حمزة وفي " شرح المفصل " أن الباء في هذه القراءة محذوفة لتقدم ذكرها، وقد مشى على ذلك أيضا الزمخشري في " أحاجيه "، وذكر صاحب " الكشف " أنه أقرب من التخريج الأول عند أكثر البصرية لثبوت إضمار الجار في نحو - الله لأفعلن - وفي نحو - ما مثل عبد الله ولا أخيه يقولان ذلك - والحمل على ما ثبت هو الوجه، ونقل عن بعضهم أن الواو للقسم على نحو - اتق الله تعالى فوالله إنه مطلع عليك - وترك الفاء لأن الاستئناف أقوى الأصلين وهو وجه حسن.
وقرأ ابن زيد * (والأرحام) * بالرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر، أي والأرحام كذلك أي مما يتقى لقرينة * (اتقوا) * أو مما يتساءل به لقرينة * (تساءلون) * وقدره ابن عطية - أهل لأن توصل - وابن جني - مما يجب أن توصلوه وتحتاطوا فيه - ولعل الجملة حينئذ معترضة وإلا ففي العطف خفاء، وقد نبه سبحانه إذ قرن الأرحام باسمه سبحانه على أن صلتها بمكان منه تعالى، وقد أخرج الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة؟ قال: نعم أما ترضين أني أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت: بلى قال: فذلك لك " وأخرج البزار بإسناد حسن " الرحم حجنة متمسكة بالعرش تكلم بلسان زلق اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني فيقول الله تعالى: أنا الرحمن أنا الرحيم فإني شققت الرحم من اسمي فمن وصلها وصلته ومن بتكها بتكته ". وأخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح: " إن من أربى الربا الاستطالة بغير حق وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن فمن قطعها حرم الله تعالى عليه الجنة ". والأخبار في هذا الباب كثيرة، والمراد بالرحم الأقارب ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب وإن بعد، ويطلق على الأقارب من جهة النساء وتخصيصه في باب الصلة بمن ينتهي إلى رحم الأم منقطع عن القبول إذ قد ورد الأمر بالإحسان إلى الأقارب مطلقا.
* (إن الله كان عليكم رقيبا) * أي حفيظا - قاله مجاهد - فهو من رقبه بمعنى حفظه - كما قاله الراغب - وقد يفسر بالمطلع، ومنه المرقب للمكان العالي الذي يشرف عليه ليطلع على ما دونه، ومن هنا فسره ابن زيد بالعالم، وعلى كل فهو فعيل بمعنى فاعل، والجملة في موضع التعليل للأمر ووجوب الامتثال، وإظهار الاسم الجليل لتأكيده وتقديم الجار لرعاية الفواصل.
* (وءاتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا) *.
* (وءاتوا اليتامى أموالهم) * شروع في تفصيل موارد الاتقاء على أتم وجه؛ وبدأ بما يتعلق باليتامى إظهارا لكمال العناية بشأنهم ولملابستهم بالأرحام إذ الخطاب للأوصياء والأولياء وقلما تفوض الوصاية لأجنبي، واليتيم - من الإنسان من مات أبوه، ومن سائر الحيوانات فاقد الأم - من اليتم وهو الانفراد، ومن هنا يطلق على كل شيء عز نظيره، ومنه الدرة