تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٩٣
والوجه الأول في تضعيف الأمر الأول منهما يرد عليه أن قول الإمام فيه: إن القرآن لما دل على عدم الحصر الخ ممنوع، كيف وقد تقدم ما يفهم منه دلالته على الحصر؟! وبتقدير عدم دلالته على الحصر لا يدل على عدم الحصر بل غاية الأمر أنه يحتمل الأمرين الحصر وعدمه، فيكون حينئذ مجملا، وبيان المجمل بخبر الواحد جائز كما بين في الأصول، وما ذكر في الوجه الثاني من وجهي التضعيف - بأنه صلى الله عليه وسلم لعله إنما أمر بإمساك أربع ومفارقة البواقي لأن الجمع غير جائز إما بسبب النسب أو بسبب الرضاع - مما لا يكاد يقبل مع تنكير أربعا وثبوت " اختر منهن أربعا " كما في بعض الروايات الصحيحة في حديث غيلان، وكذا في الحديث الذي أخرجه ابن أبي شيبة والنحاس عن قيس بن الحرث الأسدي أنه قال: أسلمت وكان تحتي ثمان نسوة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " اختر منهن أربعا وخل سائرهن ففعلت " فإن ذلك يدل دلالة لا مرية فيها أن المقصود إبقاء أي أربع لا أربع معينات، فالاحتمال الذي ذكره الإمام قاعد لا قائم، ولو اعتبر مثله - قادحا في الدليل - لم يبق دليل على وجه الأرض، نعم الحديث مشكل على ما ذهب إليه الإمام الأعظم على ما نقل ابن هبيرة فيمن أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة من أنه إن كان العقد وقع عليهن في حالة واحدة فهو باطل وإن كان في عقود صح النكاح في الأربع الأوائل فإنه حينئذ لا اختيار، وخالفه في ذلك الأئمة الثلاثة وهو بحث آخر لسنا بصدده.
وأقوى الأمرين المعتمد عليهما في الحصر الإجماع فإنه قد وقع وانقضى عصر المجمعين قبل ظهور المخالف، ولا يشترط في الإجماع اتفاق كل الأمة من لدن بعثته عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة كما يوهمه كلام الإمام الغزالي، وإلا لا يوجد إجماع أصلا، وبهذا يستغنى عما ذكره الإمام الرازي - وهو أحد مذاهب في المسألة - من أن مخالف هذا الإجماع من أهل البدعة فلا اعتبار بمخالفته، فالحق الذي لا محيص عنه أنه يحرم الزيادة على الأربع - وبه قال الإمامية - ورووا عن الصادق رضي الله تعالى عنه لا يحل لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام، وشاع عنهم خلاف ذلك، ولعله قول شاذ عندهم.
ثم إن مشروعية نكاح الأربع خاصة بالأحرار، والعبيد غير داخلين في هذا الخطاب لأنه إنما يتناول إنسانا متى طابت له امرأة قدر على نكاحها والعبد ليس كذلك لأنه لا يجوز نكاحه إلا بإذن مولاه لقوله صلى الله عليه وسلم: " أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر " ولأن في تنفيذ نكاحه تعيبا له إذ النكاح عيب فيه فلا يملكه بدون إذن المولى، وأيضا قوله تعالى بعد: * (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم) * لا يمكن أن يدخل فيه العبيد لعدم الملك فحيث لم يدخلوا في هذا الخطاب لم يدخلوا في الخطاب الأول لأن هذه الخطابات وردت متتالية على نسق واحد فبعيد أن يدخل في الخطاب السابق ما لا يدخل في اللاحق وكذا لا يمكن دخولهم في قوله تعالى: * (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) * (النساء: 4) لأن العبد لا يأكل فيكون لسيده، وخالف في ذلك الإمام مالك فأدخل العبيد في الخطاب، وجوز لهم أن ينكحوا أربعا كالأحرار ولا يتوقف نكاحهم على الإذن لأنهم يملكون الطلاق فيملكون النكاح، ومن الفقهاء من ادعى أن ظاهر الآية يتناولهم إلا أنه خصص هذا العموم بالقياس لأن الرق له تأثير في نقصان حقوق النكاح كالطلاق والعدة، ولما كان العدد من حقوق النكاح وجب أن يجعل للعبد نصف ما للحر فيه أيضا. واختلفوا في الأمر بالنكاح فقيل للإباحة ولا يلغو طاب إذا كان بمعنى حل لأنه يصير المعنى أبيح لكم ما أبيح هنا لأن مناط الفائدة القيد وهو العدد المذكور، وقيل: للوجوب أي وجوب الاقتصار على هذا العدد لا وجوب أصل
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»