تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٤ - الصفحة ١٨٨
الطيب - وهو حفظ ذلك المال - وأيا ما كان فالتعبير عن ذلك بالخبيث والطيب للتنفير عما أخذوه والترغيب فيما أعطوه وإما الرديء والجيد، ومورد النهي حينئذ ما كان الأوصياء عليه من أخذ الجيد من مال اليتيم وإعطاء الرديء من مال أنفسهم، فقد أخرج ابن جرير عن السدي أنه قال: كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل في مكانها الشاة المهزولة، ويقول: شاة بشاة، ويأخذ الدرهم الجيد ويضع مكانه الزائف، ويقول: درهم بدرهم وإلى هذا ذهب النخعي والزهري وابن المسيب؛ وتخصيص هذه المعاملة بالنهي لخروجها مخرج العادة لا لإباحة ما عداها فلا مفهوم لانخرام شرطه عنه القائل به. واعترض هذا بأن المناسب حينئذ التبديل أو تبدل الطيب بالخبيث على ما يقتضيه الكلام السابق. وأجيب بأنه إذا أعطى الوصي رديئا وأخذ جيدا من مال اليتيم يصدق عليه أنه تبدل الرديء بالجيد لليتيم وبدل لنفسه، وظاهر الآية أنه أريد التبدل لليتيم لأن الأوصياء هم المتصرفون في أموال اليتامى فنهوا عن بيع بوكس من أنفسهم ومن غيرهم وما ضاهاه، ولا يضر تبدل لنفسه أيضا باعتبار آخر لأن المتبادر إلى الفهم النهي عن تصرف لأجل اليتيم ضار سواء عامل الوصي نفسه أو غيره، ومن غفل عن اختلاف الاعتبار كالزمخشري أول بما لا إشعار للفظ به، وعلى العلات المراد من الآية النهي عن أخذ مال اليتيم على الوجه المخصوص بعد النهي الضمني عن أخذه على الإطلاق، والمراد من الأكل في النهي الأخير مطلق الانتفاع والتصرف، وعبر بذلك عنه لأنه أغلب أحواله، والمعنى لا تأكلوا أموالهم مضمومة إلى أموالكم أي تنفقوهما معا ولا تسووا بينهما، وهذا حلال وذاك حرام، فإلى متعلقة بمقدر يتعدى بها، وقد وقع حالا، وقدره أبو البقاء مضافة، ويجوز تعلقها بالأكل على تضمينه معنى الضم، واختار بعضهم كونها بمعنى مع كما في " الذود إلى الذود إبل "، والمراد بالمعية مجرد التسوية بين المالين في الانتفاع أعم من أن يكون على الانفراد، أو مع أموالهم، ويفهم من " الكشاف " أن المعية تدل على غاية قبح فعلهم حيث أكلوا أموالهم مع الغنى عنها، وفي ذلك تشهير لهم بما كانوا يصنعون فلا يلزم القائل بمفهوم المخالفة جواز أكل أموالهم وحدها، ويندفع السؤال بذلك.
وأنت تعلم أن السؤال لا يرد ليحتاج إلى الجواب إذا فسر تبدل الخبيث بالطيب باستبدال أموال اليتامى بماله وأكلها مكانه لأنه حينئذ يكون ذلك نهيا عن أكلها وحدها وهذا عن ضمها، وليس الأول مطلقا حتى يرد سؤال بأنه أي فائدة في هذا بعد ورود النهي المطلق، وفي " الكشف " لو حمل الانتهاء في إلى على أصله - على أن النهي عن أكلها مع بقاء مالهم لأن أموالهم جعلت غاية - لحصلت المبالغة، والتخلص عن الاعتذار، وظاهر هذا النهي عدم جواز أكل شيء من أموال اليتامى وقد خص من ذلك مقدار أجر المثل عند كون الولي فقيرا، وكون ذلك من مال اليتيم مما لا يكاد يخفى، فالقول - بأنه لا حاجة إلى التخصيص لأن ما يأخذه الأولياء من الأجرة فهو ما لهم وليس أكله أكل مالهم مع مالهم - لا يخلو عن خفاء.
* (إنه) * أي الأكل المفهوم من النهي، وقيل: الضمير للتبدل، وقيل: لهما وهو منزل منزلة اسم الإشارة في ذلك * (كان حوبا) * أي إثما أو ظلما وكلاهما عن ابن عباس وهما متقاربان، وأخرج الطبراني أن رافع بن الأزرق سأله رضي الله تعالى عنه عن الحوب، فقال: هو الإثم بلغة الحبشة، فقال:
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»