تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٢١٠
اتخذ مقالهم المذكور قرينة حالية، وقيل: إن الإضافة للتعليل لأدنى ملابسة كأنه قيل: وإذ أخذ الله الميثاق على الناس لأجل النبيين، ثم بينه بقوله سبحانه: * (لما آتيتكم) * الخ ولا يخفى أن هذا أيضا من البعد بمكان، وقال الشهاب: لم نر من ذكر أن الإضافة تفيد التعليل في غير كلام هذا القائل، واختار كثير من العلماء القول الأول، وأخذ الميثاق من النبيين له صلى الله عليه وسلم - على ما دل عليه كلام الأمير كرم الله تعالى وجهه مع علمه سبحانه أنهم لا يدركون وقته - لا يمنع من ذلك لما فيه مع ما علمه الله تعالى من التعظيم له صلى الله عليه وسلم والتفخيم ورفعة الشأن والتنويه بالذكر ما لا ينبغي إلا لذلك الجناب، وتعظم الفائدة إذا كان ذلك الأخذ عليهم في كتبهم لا في عالم الذر فإنه بعيد كبعد ذلك الزمان - كما عليه البعض - ويؤيد القول - بأخذ الميثاق من الأنبياء الموجب لإيمان من أدركه عليه الصلاة والسلام منهم به - ما أخرجه أبو يعلى عن جابر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا فإما أن تصدقوا بباطل، وإما أن تكذبوا بحق وإنه والله لو كان موسى حيا بين أظهركم ماحل له إلا أن يتبعني " وفي معناه أخبار كثيرة وهي تؤيد بظاهرها ما قلنا، ومن هنا ذهب العارفون إلى أنه صلى الله عليه وسلم هو النبي المطلق والرسول الحقيقي والمشرع الاستقلالي، وأن من سواه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في حكم التبعية له صلى الله عليه وسلم.
وهذا وقد عدوا هذه الآية من مشكلات القرآن إعرابا وقد غاص النحويون في تحقيق ذلك وشقوا الشعر فيه ولنذكر بعض الكلام في ذلك فنقول: قال غير واحد: اللام في * (لما آتيتكم) * على قراءة الفتح والتخفيف - وهي قراءة الجمهور - موطئة للقسم المدلول عليه بأخذ الميثاق لأنه بمعنى الاستحلاف وسميت بذلك لأنها تسهل تفهم الجواب على السامع، وعرفها النحاة كما قال الشهاب: بأنها اللام التي تدخل على الشرط سواء - إن - وغيرها لكنها غلبت في - إن - بعد تقدم القسم لفظا أو تقديرا لتؤذن أن الجواب له لا للشرط - كقولك: لئن أكرمتني لأكرمنك - ولو قلت: أكرمك، أو فإني أكرمك، أو ما أشبهه مما يجاب به الشرط لم يجز على ما صرح به ابن الحاجب - وخالفه الفراء فيه - فجوز أن يجاب الشرط مع تقدم القسم عليه لكن الأول هو المصحح وكونها يجب دخولها على الشرط هو المشهور - وخالف فيه بعض النحاة، قال: يجوز دخولها على غير الشرط إما مطلقا أو بشرط مشابهته للشرط كما الموصولة دون الزائدة وقال الزمخشري في سورة هود: إنه لا يجب دخولها على كلم المجازاة، ونقله الأزهري عن الأخفش، وذكر أن ثعلبا غلطه فيه فالمسألة خلافية، و - ما - شرطية في موضع نصب - بآتيت - والمفعول الثاني ضمير المخاطب، و * (من) * بيان - لما - واعترض بأن حمل * (من) * على البيان شائع بعد الموصولة، وأما بعد الشرطية فيحتاج إلى النقل، ومثل ذلك القول بزيادتها لأن زيادتها بعد الموصولة أيضا كزيادتها بعد الشرطية محتاج لما ذكر، وأجيب بأن السمين نقل ما يدل على الوقوع عند الأئمة، وفي " جني الداني ". ومن الناس من قال: إن (من) تزاد بالشروط في غير باب التمييز، وأما فيه فتزاد وإن لم تستوف الشروط نحو لله درك من رجل، ومن هنا قال مولانا عبد الباقي: يجوز أن تكون (من) تبعيضية ذكرت لبيان (ما) الشرطية، أو زائدة داخلة على التمييز، و * (لتؤمنن) * جواب القسم وحده على الصحيح، ولدلالته على جواب الشرط واتحاد معناهما تسامح بعضهم فجعله سادا مسد الجوابين، ولم يرد أنه جواب القسم وجواب الشرط لتنافيهما من حيث إن الأول: لا محل له، والثاني: له محل، والقول بأن الجملة الواحدة قد يحكم عليها بالأمرين باعتبارين التزام لما لا يلزم، وجوزوا كون (ما) موصولة واللام الداخلة عليها حينئذ لام الابتداء، ويشعر كلام البعض أن اللام بعد موطئة وكأنه مبني على مذهب من جوز دخول الموطئة على غير الشرط من النحاة - كما مر - وهي على هذا التقدير مبتدأ، والخبر
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»