تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٢٠٣
أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال: بايع اليهود رجال من المسلمين في الجاهلية فلما أسلموا تقاضوهم عن بيوعهم فقالوا: ليس علينا أمانة ولا قضاء لكم عندنا لأنكم تركتم دينكم الذي كنتم عليه وادعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم فقال الله تعالى: * (ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) * أي أنهم كاذبون، وقال الكلبي: قالت اليهود: الأموال كلها كانت لنا فما في أيدي العرب منها فهو لنا وأنهم ظلمونا وغصبونا فلا إثم علينا في أخذ أموالنا منهم، وأخرج ابن المنذر وغيره عن سعيد بن جبير قال: " لما نزلت * (ومن أهل الكتاب) * إلى قوله سبحانه: * (ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) * قال النبي صلى الله عليه وسلم: كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي هاتين إلا الأمانة فإنها مؤداة إلى البر والفاجر " والجار والمجرور متعلق بيقولون، والمراد يفترون، ويجوز أن يكون حالا من الكذب مقدما عليه، ولم يجوز أبو البقاء تعلقه به لأن الصلة لا تتقدم على الموصول، وأجازه غيره لأنه كالظرف يتوسع فيه ما لا يتوسع في غيره.
* (بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين) *.
* (بلى) * جواب لقولهم * (ليس علينا في الأميين سبيل) * (آل عمران: 75)، وإيجاب لما نفوه، والمعنى بلى عليهم في الأميين سبيل. * (من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين) * استئناف مقرر للجملة التي دلت عليها * (بلى) * حيث أفادت بمفهومها المخالف ذم من لم يف بالحقوق مطلقا فيدخلون فيه دخولا أوليا، و * (من) * إما موصولة أو شرطية، و * (أوفى) * فيه ثلاث لغات: إثبات الهمزة وحذفها مع تخفيف الفاء وتشديدها، والضمير في - عهده - عائد على * (من) * وقيل: يعود على * (الله) * فهو على الأول: مصدر مضاف لفاعله، وعلى الثاني: مصدر مضاف لمفعوله أو لفاعله ولا بد من ضمير يعود على * (من) * من الجملة الثانية، فإما أن يقام الظاهر مقام المضمر في الربط إن كان * (المتقين) * من * (أوفى) * وإما أن يجعل عمومه وشموله رابطا إن كان * (المتقين) * عاما؛ وإنما وضع الظاهر موضع الضمير على الأول تسجيلا على الموفين بالعهد بالتقوى وإشارة إلى علة الحكم ومراعاة لرؤوس الآي، ورجح الأول بقوة الربط فيه، وقال ابن هشام: الظاهر أنه لا عموم وأن * (المتقين) * مساو لمن تقدم ذكره والجواب لفظا، أو معنى محذوف تقديره يحبه الله، ويدل عليه * (فإن الله) * الخ، واعترضه الحلبي بأنه تكلف لا حاجة إليه، وقوله: الظاهر أنه لا عموم في حيز المنع فإن ضمير * (بعهده) * إذا كان لله فالالتفات عن الضمير إلى الظاهر لإفادة العموم كما هو المعهود في أمثاله قاله بعض المحققين.
* (إن الذين يشترون بعهد الله وأيم‍انهم ثمنا قليلا أول‍ائك لا خل‍اق لهم فى الاخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القي‍امة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) *.
* (إن الذين يشترون بعهد الله وأيم‍انهم ثمنا قليلا) * أخرج الستة وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف على يمين هو فيها فاجر ليقطع بها مال امرىء مسلم لقي الله وهو عليه غضبان فقال الأشعث بن قيس: في والله كان ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألك بينة؟ قلت: لا فقال لليهودي: احلف فقلت: يا رسول الله إذا يحلف فيذهب مالي فأنزل الله تعالى * (إن الذين) * " الخ. وأخرج البخاري وغيره عن عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة له في السوق فحلف بالله لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت هذه الآية. وأخرج أحمد وابن جرير - واللفظ له - عن عدي بن عميرة قال: كان بين امرىء القيس ورجل من حضرموت
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»