إضلالهم أنفسهم إصرارهم على الضلال بما سولت لهم أنفسهم مع تمكنهم من اتباع الهدى بإيضاح الحجج، ولا يخلو عن شيء * (وما يشعرون) * أي وما يفطنون بكون الإضلال مختصا بهم لما اعترى قلوبهم من الغشاوة - قاله أبو علي - وقيل: * (وما يشعرون) * بأن الله تعالى يعلم المؤمنين بضلالهم وإضلالهم، وفي نفي الشعور عنهم مبالغة في ذمهم.
* (ياأهل الكتاب لم تكفرون بأيات الله وأنتم تشهدون) *.
أي لم تكفرون بما يتلى عليكم من آيات القرآن وأنتم تعلمون ما يدل على صحتها ووجوب الإقرار بها من التوراة والإنجيل، وقيل: المراد: لم تكفرون بما في كتبكم من الآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وأنتم تشهدون الحجج الدالة على ذلك، أو: لم تكفرون بما في كتبكم من أن الدين عند الله الإسلام وأنتم تشاهدون ذلك، أو: لم تكفرون بالحجج الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم وأنتم تشهدون أن ظهور المعجزة يدل على صدق مدعي الرسالة أو - أنتم تشهدون - إذا خلوتم بصحة دين الإسلام، أو: لم تكفرون بآيات الله جميعا وأنتم تعلمون حقيتها بلا شبهة بمنزلة علم المشاهدة.
* (ياأهل الكتابلم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) *.
* (ياأهل الكتابلم تلبسون الحق بالباطل) * أي تسترونه به، أو تخلطونه به، والباء صلة، وفي المراد أقوال: أحدها: أن المراد تحريفهم التوراة والإنجيل - قاله الحسن وابن زيد - وثانيها: أن المراد إظهارهم الإسلام وإبطانهم النفاق - قاله ابن عباس وقتادة - وثالثها: أن المراد الإيمان بموسى وعيسى والكفر بمحمد عليهم الصلاة والسلام، ورابعها أن المراد ما يعلمونه في قلوبهم من حقية رسالته صلى الله عليه وسلم وما يظهرونه من تكذيبه، عن أبي علي وأبي مسلم، وقرىء * (تلبسون) * بالتشديد وهو بمعنى المخفف، وقرأ يحيى بن وثاب * (تلبسون) * وهو من لبست الثوب، والباء بمعنى مع، والمراد من اللبس الاتصاف بالشيء، والتلبس به وقد جاء ذلك فيما رواه البخاري في " الصحيح " عن عائشة " أنه صلى الله عليه وسلم قال: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور " * (وتكتمون الحق) * أي نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما وجدتموه في كتبكم من نعته والبشارة به * (وأنتم تعلمون) * أنه حق، وقيل: تعلمون الأمور التي يصح بها التكليف وليس بشيء.
* (وقالت طآئفة من أهل الكتابءامنوا بالذيأنزل على الذين ءامنوا وجه النهار واكفروا ءاخره لعلهم يرجعون) *.
* (ودت طائفة) * أي جماعة وسميت بها لأنه يسوى بها حلقة يطاف حولها * (من أهل الكتاب) * أي اليهود لبعضهم * (ءامنوا) * أي أظهروا الإيمان * (بالذي أنزل على الذين ءامنوا) * وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه * (وجه النهار) * أي أوله كما في قول الربيع بن زياد: من كان مسرورا بمقتل مالك * فليأت نسوتنا (بوجه نهار) وسمي وجها لأنه أول ما يواجهك منه، وقيل: لأنه كالوجه في أنه أعلاه وأشرف ما فيه؛ وذكر الثعالبي أنه في ذلك استعارة معروفة * (واكفروا ءاخره لعلهم يرجعون) * بسبب هذا الفعل عن اعتقادهم حقية ما أنزل عليهم - قال الحسن والسدي - تواطأ اثنا عشر رجلا من أحبار يهود خبير، وقرى عرينة، وقال بعضهم لبعض: أدخلوا في دين محمد - أول النهار - باللسان دون الاعتقاد - واكفروا آخر النهار - وقولوا إنا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمدا ليس بذاك وظهر لنا كذبه وبطلان دينه فإذا فعلتم ذلك شك