تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٩٧
أو الموافقة فيما يعد في العرف موافقة ولو لم تكن في المعظم وليست هذه الدعوى من البطلان بحيث لا تخفى على أحد فرد الله تعالى عليهم بقوله سبحانه: * (وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده) * (آل عمران: 65) أي وليسا مشتملين على ذلك وهو من الحري بالذكر لو كان، ثم أشار سبحانه إلى ما هم عليه من الحماقة على وجه أتم، ثم صرح سبحانه بما أشار أولا فقال: * (ما كان إبراهيم يهوديا) * أي من الطائفة اليهودية المخالفة لما جاء به موسى عليه السلام في نفس الأمر * (ولا نصرانيا) * أي من الطائفة النصرانية المخالفة لما جاء به عيسى عليه السلام كذلك * (ولكن كان حنيفا مسلما) * أي على دين الإسلام الذي ليس عند الله دين مرضي سواه وهو دين جميع الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم، وفي ذلك إشارة إلى أن أولئك اليهود والنصارى ليسوا من الدين في شيء لمخالفتهم في نفس الأمر لما عليه النبيان بل الأنبياء، ثم أشار إلى سبب ذلك بما عرض به من قوله سبحانه: * (وما كان من المشركين) * فعلى هذا يكون المسلم - كما قال الجصاص، وأشرنا إليه فيما مر مرارا - المؤمن ولو من غير هذه الأمة خلافا للسيوطي في زعمه أن الإسلام مخصوص بهذه الأمة - هذا ما عندي في هذا المقام - فتدبر فلمسلك الذهن اتساع.
* (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وه‍اذا النبى والذين ءامنوا والله ولى المؤمنين) *.
* (إن أولى الناس بإبراهيم) * * (أولى) * أفعل تفضيل من وليه يليه وليا وألفه منقلبة عن ياء لأن فاءه واو فلا تكون لامه واوا إذ ليس في الكلام ما فاؤه ولامه واوان إلا واو، وأصل معناه أقرب، ومنه ما في الحديث " لأولى رجل ذكر " ويكون بمعنى أحق كما تقول: العالم أولى بالتقديم، وهو المراد هنا - أي أقرب الناس وأخصهم بإبراهيم * (للذين اتبعوه) * أي كانوا على شريعته في زمانه، أو اتبعوه مطلقا فالعطف في قوله سبحانه: * (وه‍اذا النبي) * من عطف الخاص على العام وهو معطوف على الموصول قبله الذي هو خبر * (إن) * وقرىء بالنصب عطفا على الضمير المفعول، والتقدير - للذين اتبعوا إبراهيم واتبعوا هذا النبي - وقرىء بالجر عطفا على إبراهيم أي - إن أولى الناس بإبراهيم، وهذا النبي للذين اتبعوه - واعترض بأنه كان ينبغي أن يثني ضمير * (اتبعوه) * ويقال اتبعوهما، وأجيب بأنه من باب * (والله ورسوله أحق أن يرضوه) * (التوبة: 62) إلا أن فيه على ما قيل الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي، وقوله تعالى: * (والذين ءامنوا) * إن كان عطفا على - الذين اتبعوه - يكون فيه ذلك أيضا، وإن كان عطفا على هذا النبي - فلا فائدة فيه إلا أن يدعى أنها للتنويه بذكرهم، وأما التزام أنه من عطف الصفات بعضها على بعض حينئذ فهو كما ترى، ثم إن كون المتبعين لإبراهيم عليه السلام في زمانه أولى الناس به ظاهر، وكون نبينا صلى الله عليه وسلم أولاهم به لموافقة شريعته للشريعة الإبراهيمية أكثر من موافقة شرائع سائر المرسلين لها، وكون المؤمنين من هذه الأمة كذلك لتبعيتهم نبيهم فيماجاء به ومنه الموافق.
* (والله ولي المؤمنين) * ينصرهم ويجازيهم بالحسنى كما هو شأن الولي، ولم يقل - وليهم - تنبيها على الوصف الذي يكون الله تعالى به وليا لعباده - وهو الإيمان - بناءا على أن التعليق بالمشتق يقتضي عليه مبدأ الاشتقاق. ومن ذلك يعلم ثبوت الحكم للنبي بدلالة النص، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رؤساء اليهود: والله يا محمد لقد علمت أنا أولى بدين إبراهيم منك ومن غيرك وأنه كان يهوديا وما بك إلا الحسد فأنزل الله تعالى
(١٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 ... » »»