تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٢٠٠
أصحابه في دينهم فقالوا: إنهم أهل الكتاب وهم أعلم به فيرجعون عن دينهم إلى دينكم، وقال مجاهد ومقاتل والكلبي: كان هذا في شأن القبلة لما حولت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود فقال كعب بن الأشرف لأصحابه آمنوا بالذي أنزل على محمد من أمر الكعبة وصلوا إليها أول النهار وارجعوا إلى قبلتكم آخره لعلهم يشكون، والتعبير بما أنزل بناءا على ما يقوله المؤمنون وإلا فهم يكذبون ولا يصدقون أن الله تعالى أنزل شيئا على المؤمنين، وظاهر الآية يدل على وقوع أمر بعضهم لبعض أن يقولوا ذلك، وأما امتثال الأمر من المأمور فمسكوت عن بيان وقوعه وعدمه، وعن بعضهم أن في الأخبار ما يدل على وقوعه * (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتىاأحد مثل مآ أوتيتم أو يحآجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشآء والله واسع عليم) *.
* (ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم) * في نظم الآية ومعناها أوجه لخصها الشهاب من كلام بعض المحققين، أحدها: أن التقدير: ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وهم المسلمون أوتوا كتابا سماويا كالتوراة ونبيا مرسلا كموسى - وبأن يحاجوكم - ويغلبوكم بالحجة يوم القيامة إلا لاتباعكم، وحاصله أنهم نهوهم عن إظهار هذين الأمرين للمسلمين لئلا يزدادوا تصلبا ولمشركي العرب لئلا يبعثهم على الإسلام وأتى - بأو - على وزان * (ولا تطع منهم آثما أو كفورا) * (الإنسان: 24) وهو أبلغ. والحمل على معنى حتى صحيح مرجوح، وأتى بقوله تعالى: * (قل إن الهدى هدى الله) * معترضا بين الفعل ومتعلقه، وفائدة الاعتراض الإشارة إلى أن كيدهم غير ضار لمن لطف الله تعالى به بالدخول في الإسلام، أو زيادة التصلب فيه. ويفيد أيضا أن الهدى هداه فهو الذي يتولى ظهوره * (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره) * (الصف: 8) فالمراد بالإيمان إظهاره كما ذكره الزمخشري، أو الإقرار اللساني كما ذكره الواحدي، والمراد من التابعين المتصلب منهم، وإلا وقع ما فروا منه، وثانيها: أن المراد: ولا تؤمنوا هذا الإيمان الظاهر الذي أتيتم به وجه النهار إلا لمن كان تابعا لدينكم أولا وهم الذين أسلموا منهم أي لأجل رجوعهم لأنه كان عندهم أهم وأوقع، وهم فيه أرغب وأطمع، وعند هذا تم الكلام، ثم قيل: * (إن الهدي هدى الله) * أي فمن يهدي الله فلا مضل له ويكون قوله تعالى: * (أن يؤتى) * الخ على هذا معللا لمحذوف أي - لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم - ولما يتصل به من الغلبة بالحجة يوم القيامة دبرتم ما دبتم. وحاصله أن داعيكم إليه ليس إلا الحسد، وإنما أتى - بأو - تنبيها على استقلال كل من الأمرين في غيظهم وحملهم على الحسد حتى دبروا ما دبروا ولو أتى بالواو لم تقع هذا الموقع للعلم بلزوم الثاني للأول لأنه إذا كان ما أوتوا حقا غلبوا يوم القيامة مخالفهم لا محالة فلم يكن فيه فائدة زائدة، وأما - أو - فتشعر بأن كلا مستقل في الباعثية على الحسد والاحتشاد في التدبير، والحمل على معنى حتى ليس له موقع يروع السامع وإن كان وجها ظاهرا.
ويؤيد هذا الوجه قراءة ابن كثير - أأن يؤتى - بزيادة همزة الاستفهام للدلالة على انقطاعه عن الفعل واستقلاله بالإنكار، وفيه تقييد الإيمان بالصادر أول النهار بقرينة إن الكلام فيه، وتخصيص من تبع بمسلميهم بقرينة المضي فإن غيرهم متبع دينهم الآن أيضا، وعن الزمخشري أن * (أن يؤتى) * الخ من جملة المقول كأنه قيل: قل لهم هذين القولين ومعناه أكد عليهم أن الهدى ما فعل الله تعالى من إيتاء الكتاب غيركم، وأنكر عليهم أن يمتعضوا من أن يؤتى أحد مثله - كأنه قيل - إن الهدى هدى الله، وقل - لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم - قلتم ما قلتم وكدتم ما كدتم، وثالثها: أن يقرر ولا تؤمنوا على ما قرر عليه الثاني، ويجعل * (أن يؤتى) * خبر * (إن) * و * (هدى الله) * بدل من اسمها - وأو - بمعنى حتى على أنها غاية سببية، وحينئذ لا ينبغي أن يخص عند ربكم بيوم القيامة بل بالمحاجة الحقة كما أشير إليه في البقرة، ولو حملت على العطف لم يلتئم الكلام، ورابعها: أن يكون * (ولا تؤمنوا إلا لمن) *
(٢٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 ... » »»