تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٢٠١
الخ باقيا على إطلاقه أي واكفروا آخره واستمروا على ما كنتم فيه من اليهودية ولا تقروا لأحد إلا لمن هو على دينكم وهو من جملة مقول الطائفة ويكون * (قل إن الهدى) * الخ أمرا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقول ذلك في جوابهم، على معنى: قل إن الهدى هدى الله فلا تنكروا أن يؤتى حتى تحاجوا؛ وقرينة الإضمار إن * ( ولا تؤمنوا) * الخ تقرير على اليهودية وأنه لا دين يساويها فإذا أمر صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم علم أن ما أنكروه غير منكر وأنه كائن، وحمل - أو - على معناها الأصلي حينئذ أيضا حسن لأنه تأييد للإيتاء وتعريض بأن من أوتي مثل ما أوتوا هم الغالبون، وقرىء - إن يؤتى - بكسر همزة إن على أنها نافية - أي قولوا لهم ما يؤتى - وهو خطاب لمن أسلم منهم رجاء العود، والمعنى لا إيتاء ولا محاجة - فأو - بمعنى حتى، وقدر قولوا توضيحا وبيانا لأنه ليس استئنافا تعليلا، وقوله تعالى: * (قل إن الهدى) * الخ اعتراض ذكر قبل أن يتم كلامهم للاهتمام ببيان فساد ما ذهبوا إليه؛ وأرجح الأوجه الثاني لتأيده بقراءة ابن كثير وأنه أفيد من الأول وأقل تكلفا من باقي الأوجه، وأقرب إلى المساق انتهى.
وأقول: ما ذكره في الوجه الرابع من تقرير فلا تنكروا أن يؤتى الخ هو قول قتادة والربيع والجبائي لكنهم لم يجعلوا - أو - بمعنى حتى وهو أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما وكذا القول بإبدال أن يؤتى من الهدى قول السدي وابن جريج إلا أنهم قدروا - لا - بين أن ويؤتى، واعترض عليهما أبو العباس المبرد بأن - لا - ليست مما تحذف ههنا، والتزم تقدير مضاف شاع تقديره في أمثال ذلك وهو كراهة، والمعنى إن الهدى كراهة - أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم - أي ممن خالف دين الإسلام لأن الله لا يهدي من هو كاذب كفار فهدى الله تعالى بعيد من غير المؤمنين، ولا يخفى أنه معنى متوعر، وليس بشيء، ومثله ما قاله قوم من أن * (أن يؤتى) * الخ تفسير للهدى، وأن المؤتى هو الشرع وأن * (أو يحاجوكم) * عطف على * (أوتيتم) *، وأن ما يحاج به العقل وأن تقدير الكلام أن هدى الله تعالى ما شرع أو ما عهد به في العقل، ومن الناس من جعل الكلام من أول الآية إلى آخرها من الله تعالى خطابا للمؤمنين قال: والتقدير ولا تؤمنوا أيها المؤمنون إلا لمن تبع دينكم وهو دين الإسلام ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين فلا نبي بعد نبيكم عليه الصلاة والسلام ولا شريعة بعد شريعتكم إلى يوم القيامة ولا تصدقوا بأن يكون لأحد حجة عليكم عند ربكم لأن دينكم خير الأديان، وجعل * (قل إن الهدى هدى الله) * اعتراضا للتأكيد وتعجيل المسرة - ولا يخفى ما فيه - واختيار البعض له والاستدلال عليه بما قاله الضحاك - إن اليهود قالوا: إنا نحج عند ربنا من خالفنا في ديننا فبين الله تعالى لهم أنهم هم المدحضون المغلوبون وأن المؤمنين هم الغالبون - ليس بشيء لأن هذا البيان لا يتعين فيه هذا الحمل كما لا يخفى على ذي قلب سليم، والضمير المرفوع من * (يحاجوكم) * على كل تقدير عائد إلى * (أحد) * لأنه في معنى الجمع إذ المراد به غير أتباعهم.
واستشكل ابن المنير قطع * (أن يؤتى) * عن * (لا تؤمنوا) * على ما في بعض الأوجه السابقة بأنه يلزم وقوع (أحد) في الواجب لأن الاستفهام هنا إنكار، واستفهام الإنكار في مثله إثبات إذ حاصله أنه أنكر عليهم ووبخهم على ما وقع منهم وهو إخفاء الإيمان بأن النبوة لا تخص بني إسرائيل لأجل العلتين المذكورتين فهو إثبات محقق، ثم قال: ويمكن أن يقال: روعيت صيغة الاستفهام وإن لم يكن المراد حقيقته فحسن دخول (أحد) في سياقه لذلك - وفيه تأمل - فتأمل وتدبر، فقد قال الواحدي: إن هذه الآية من مشكلات القرآن وأصعبه تفسيرا * (قل إن الفضل بيد الله) * رد وإبطال لما زعموه بأوضح حجة، والمراد من الفضل الإسلام - قاله ابن جريج - وقال غيره: النبوة،
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»