تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٩٣
ما في الأنفس ظاهر لمن أحاط خبرا بما قدمناه في الآيات الأول، والله تعالى الموفق.
* (قل ياأهل الكت‍ابتعالوا إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) *.
* (قل يا أهل الكت‍اب) * نزلت في وفد نصارى نجران - قاله السدي والحسن وابن زيد ومحمد بن جعفر بن الزبير - وروي عن قتادة والربيع وابن جريج أنها نزلت في يهود المدينة، وذهب أبو علي الجبائي أنها نزلت في الفريقين من أهل الكتاب، واستظهره بعض المحققين لعمومه * (تعالوا) * أي هلموا * (إلى كلمة) * أي كلام - كما قال الزجاج - وإطلاقها على ذلك في كلامهم من باب المجاز المرسل وعلاقته تجوز إطلاقها على المركب الناقص إلا أنه لم يوجد بالاستقراء، وقيل: إنه من باب الاستعارة وليس بالبعيد - وقرىء - * (كلمة) * بكسر الكاف وإسكان اللام على التخفيف والنقل * (سواء) * أي عدل - قاله ابن عباس والربيع وقتادة - وقيل: إن سواء مصدر بمعنى مستوية أي لا يختلف فيها التوراة والإنجيل والقرآن، أو لا اختلاف فيها بكل الشرائع، وهو في قراءة الجمهور مجرور على أنه نعت - لكلمة - وقرىء بنصبه على المصدر.
* (بيننا وبينكم) * متعلق بسواء * (ألا نعبد) * أي نحن وأنتم * (إلا الله) * بأن نوحده بالعبادة ونخلص فيها، وفي موضع (أن) وما بعدها وجهان - كما قال أبو البقاء - الأول: الجر على البدلية من * (كلمة) *، والثاني: الرفع على الخبرية لمحذوف أي هي أن لا نعبد إلا الله، ولولا عمل (أن) لجاز أن تكون تفسيرية، وقيل: إن الكلام تم على * (سواء) * ثم استؤنف فقيل: * (بيننا وبينكم ألا نعبد) *، فالظرف خبر مقدم، و (أن) وما بعدها مبتدأ مؤخر * (ولا نشرك به شيئا) * من الأشياء على معنى لا نجعل غيره شريكا له في استحقاق العبادة ولا نراه أهلا لأن يعبد، وبهذا المعنى يكون الكلام تأسيسا والظاهر أنه تأكيد لما قبله إلا أن التأسيس أكثر فائدة، وقيل: المراد * (لا نشرك به شيئا) * من الشرك وهو بعيد جدا. * (ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله) * أي لا يطيع بعضنا بعضا في معصية الله تعالى - قاله ابن جريج - ويؤيده ما أخرجه الترمذي وحسنه من حديث عدي بن حاتم " أنه لما نزلت هذه الآية قال: ما كنا نعبدهم يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: أما كانوا يحللون لكم ويحرمون فتأخذون بقولهم؟ قال: نعم فقال عليه الصلاة والسلام: هو ذاك " قيل: وإلى هذا أشار سبحانه بقوله عز من قائل: * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) * (التوبة: 31) وعن عكرمة أن هذا الاتخاذ هو سجود بعضهم لبعض، وقيل: هو مثل اعتقاد اليهود في عزير أنه ابن الله، واعتقاد النصارى في المسيح نحو ذلك، وضمير - نا - على كل تقدير للناس لا للممكن - وإن أمكن - حتى يشمل الأصنام لأن أهل الكتاب لم يعبدوها. وفي التعبير - بالبعض - نكتة وهي الإشارة إلى أنهم بعض من جنسنا فكيف يكونون أربابا؟! فإن قلت: إن المخاطبين لم يتخذوا البعض أربابا من دون الله بل اتخذوهم آلهة معه سبحانه أجيب: بأنه أريد من دون الله وحده، أو يقال: بأنه أتى بذلك للتنبيه على أن الشرك لا يجامع الاعتراف بربوبيته تعالى عقلا - قاله بعضهم - وللنصارى - سود الله تعالى حظهم - الحظ الأوفر من هذه المنهيات، وسيأني إن شاء الله تعالى بيان فرقهم وتفصيل كفرهم على أتم وجه.
* (فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) * المراد فإن تولوا عن موافقتكم فيما ذكر مما اتفق عليه الكتب والرسل بعد عرضه عليهم فاعلموا أنهم لزمتهم الحجة وإنما أبوا عنادا فقولوا
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»