تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ٢٠٨
فيهما حتما، ثم إن هذا الإيتاء في الآية حقيقة على الروايتين الأوليين مجاز على الرواية الأخيرة كما لا يخفى.
* (ول‍اكن كونوا رب‍انيين) * إثبات لما نفى سابقا، وهو القول المنصوب بأن كأنه قيل: ما كان لذلك البشر أن يقول ذلك لكن يقول كونوا ربانيين، فالفعل هنا منصوب أيضا عطفا عليه، وجوز رفعه على المعنى لأنه في معنى لا يقول، وقيل: يصح عدم تقدير القول على معنى لا تكونوا قائلين لذلك ولكن كونوا ربانيين وفسر علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس الرباني بالفقيه العالم، وقتادة والسدي بالعالم الحكيم، وابن جبير بالحليم التقي، وابن زيد بالمدبر أمر الناس - وهي أقوال متقاربة - وهو لفظ عربي لا سرياني على الصحيح. وزعم أبو عبيدة أن العرب لا تعرفه، وهو منسوب إلى الرب كإلهي والألف والنون يزادان في النسب للمبالغة كثيرا - كلحياني - لعظيم اللحية، والجماني لوافر الجمة، ورقباني بمعنى غليظ الرقبة، وقيل: إنه منسوب إلى ربان صفة كعطشان بمعنى مربي.
* (بما كنتم تعلمون الكت‍ابوبما كنتم تدرسون) * الباء السببية متعلقة - بكونوا - أي كونوا كذلك بسبب مثابرتكم على تعليمكم الكتاب ودراستكم له، والمطلوب أن لا ينفك العلم عن العمل إذ لا يعتد بأحدهما بدون الآخر، وقيل: متعلقة - بربانيين - لأن فيه معنى الفعل، وقيل: بمحذوف وقع صفة له - والدراسة - التكرار يقال: درس الكتاب أي كرره، وتطلق على القراءة، وتكرير * (بما كنتم) * للإشعار باستقلال كل من استمرار التعليم، واستمرار القراءة المشعر به جعل خبر (كان) مضارعا بالفضل، وتحصيل الربانية، وقدم تعليم الكتاب على دراسته لوفور شرفه عليها، أو لأن الخطاب الأول: لرؤسائهم، والثاني: لمن دونهم، وقيل: لأن متعلق التعليم الكتاب بمعنى القرآن، ومتعلق الدراسة الفقه - وفيه بعد بعيد - وإن أشعر به كلام بعض السلف. وقرأ نافع وابن كثير ويعقوب وأبو عمرو ومجاهد * (تعلمون) * بمعنى عالمين، وقرىء * (تدرسون) * بالتشديد من التدريس، وتدرسون من الإدراس بمعناه، ومجىء أفعل بمعنى فعل كثير، وجوز كون القراءة المشهورة أيضا بهذا المعنى على أن يكون المراد تدرسونه للناس.
* (ولا يأمركم أن تتخذوا المل‍ائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون) *.
* (ولا يأمركم أن تتخذوا المل‍ائكة والنبيين أربابا) * قرأ ابن عامر وحمزة وعاصم ويعقوب - ولا يأمركم - بالنصب عطفا على * (يقول) * (آل عمران: 79)، * (ولا) * إما مزيدة لتأكيد معنى النفي الشائع في الاستعمال سيما عند طول العهد وتخلل الفصل، والمعنى ما كان لبشر أن يؤتيه الله تعالى ذلك ويرسله للدعوة إلى اختصاصه بالعبادة وترك الأنداد، ثم يأمر الناس بأن يكونوا عبادا له، ويأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا فهو كقولك: ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ولا يستخف بي، وإما غير زائدة بناءا على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن عبادة الملائكة والمسيح وعزير عليهم السلام فلما قيل له: أنتخذك ربا؟ قيل لهم: ما كان لبشر أن يتخذه الله تعالى نبيا ثم يأمر الناس بعبادته وينهاهم عن عبادة الملائكة والأنبياء مع أن من يريد أن يستعبد شخصا يقول له: ينبغي أن تعبد أمثالي وأكفائي وعلى هذا يكون المقصود - من عدم الأمر - النهي وإن كان أعم منه لكونه أمس بالمقصود وأوفق للواقع، وقرأ باقي السبعة * (ولا يأمركم) * بالرفع على الاستئناف، ويحتمل الحالية، وقيل: والرفع على الاستئناف أظهر، وينصره قراءة * (ولن يأمركم) * ووجهت الأظهرية بالخلو عن تكلف جعل عدم الأمر بمعنى النهي، وبأن العطف يستدعي تقديمه على * (لكن) * وكذا الحالية أيضا.
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»