تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٤٨
وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه إلا يحيى بن زكريا " وجوز أن يراد ما هو أصل معناه فإنه عليه السلام كان سيد قومه وله أتباع منهم، غاية الأمر أن تلك رياسة شرعية والاتيان به إثر قوله تعالى: * (مصدقا) * للإشارة إلى أنه نبي - كعيسى عليه السلام - وليس من أمته كما يفهمه ظاهرا قوله سبحانه: * (مصدقا بكلمة من الله) *. * (وحصورا) * عطف على ما قبله ومعناه الذي لا يأتي النساء مع القدرة على ذلك - قاله ابن عباس في إحدى الروايات عنه - وفي بعضها إنه العنين الذي لا ذكر له يتأتى به النكاح ولا ينزل، وروي الحفاظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ما معه عليه السلام كان كالأنملة، وفي بعض الروايات كالقذاة، وفي أخرى كالنواة وفي بعض كهدبة الثوب، قيل: والأصح الأول إذ العنة عيب لا يجوز على الأنبياء، وبتسليم أنها ليست بعيب فلا أقل أنها ليست بصفة مدح، والكلام مخرج مخرج المدح، وما أخرجه الحافظ على تقدير صحته يمكن أن يقال: إنه من باب التمثيل والإشارة إلى عدم انتفاعه عليه السلام بما عنده لعدم ميله للنكاح لما أنه في شغل شاغل عن ذلك. ومن هنا قيل: إن التبتل لنوافل العبادات أفضل من الاشتغال بالنكاح استدلالا بحال يحيى عليه السلام ومن ذهب إلى خلافه احتج بما أخرجه الطبراني عن أبي أمامة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة وأمنت الملائكة، رجل جعله الله تعالى ذكرا فأنث نفسه وتشبه بالنساء، وامرأة جعلها الله تعالى أنثى فتذكرت وتشبهت بالرجال، والذي يضل الأعمى، ورجل حصور ولم يجعل الله تعالى حصورا إلا يحيى بن زكريا " وفي رواية " لعن الله تعالى والملائكة رجلا تحصر بعد يحيى بن زكريا " ويجوز أن يراد بالحصور المبالغ في حصر النفس وحبسها عن الشهوات مع القدرة وقد كان حاله عليه السلام أيضا كذلك. أخرج عبد الرزاق عن قتادة موقوفا وابن عساكر عن معاذ بن جبل مرفوعا أنه عليه السلام مر في صباه بصبيان يلعبون فدعوه إلى اللعب فقال: ما للعب خلقت.
* (ونبيا) * عطف على ما قبله مترتب على ما عدد من الخصال الحميدة * (من الصالحين) * أي ناشئا منهم أو معدودا في عدادهم - فمن - على الأول للابتداء، وعلى الثاني للتبعيض قيل: ومعناه على الأول ذو نسب، وعلى الثاني معصوم، وعلى التقديرين لا يلغو ذكره بعد - نبيا - وقد يقال: المراد من الصلاح ما فوق الصلاح الذي لا بد منه في منصب النبوة ألبتة من أقاصي مراتبه وعليه مبنى دعاء سليمان عليه السلام: * (وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) * (النمل: 19) ولعله أولى مما قبل.
* (قال رب أنى يكون لي غل‍ام وقد بلغني الكبر وامرأتى عاقر قال كذالك الله يفعل ما يشآء) *.
* (قال رب أنى يكون لي غلام) * استئناف مبني على السؤال كأنه قيل: فماذا قال زكريا عليه السلام حينئذ؟ فقيل: * (قال رب) * الخ، وخاطب عليه السلام ربه سبحناه ولم يخاطب الملك المنادي طرحا للوسائط مبالغة في التضرع وجدا في التبتل، و * (أنى) * بمعنى كيف، أو من أين، وكان يجوز أن تكون تامة وفاعلها * (غلام) * و * (أنى) * واللام متعلقان بها، ويجوز أن تكون ناقصة، و * (لي) * متعلق بمحذوف وقع حالا لأنه لو تأخر لكان صفة، وفي الخبر حينئذ وجهان: أحدهما: * (أنى) * لأنها بمعنى كيف، أو من أين والثاني: أن الخبر الجار، و * (أنى) * منصوب على الظرفية، وفي التنصيص على ذكر الغلام دلالة على أنه قد أخبر به عند التبشير كما في قوله تعالى: * (إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى) * (مريم: 7).
* (وقد بلغني الكبر) * حال من ياء المتكلم أي أدركني الكبر وأثر
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»