تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٤٥
وأخرى على المعنى وهذا في أسماء الأجناس كما في قوله: أبوك خليفة ولدته أخرى * وأنت خليفة ذاك الكمال بخلاف الأعلام فإنه لا يجوز أن يقال: جاءت طلحة لأن اسم العلم لا يفيد إلا ذلك الشخص فإذا كان مذكرا لم يجز فيه إلا التذكير. * (إنك سميع الدعآء) * أراد كثير الإجابة لمن يدعوك من خلقك وهو تعليل لما قبله وتحريك لسلسلة الإجابة، وفي ذلك اقتداء بجده الأعلى إبراهيم عليه السلام إذ قال: * (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسمعيل وإسحق إن ربي لسميع الدعاء) * (إبراهيم: 39) قيل: قد ذكر الله تعالى في كيفية دعائه ثلاث صيغ. إحداها: هذه والثانية: * (إني وهن العظم مني) * (مريم: 4) الخ، والثالثة: * (رب لا تذرني فردا) * (الأنبياء: 89) الخ، فدل على أن الدعاء تكرر منه ثلاث مرات كل مرة بصيغة، ويدل على أن بين الدعاء والإجابة زمانا، ويصرح به ما نقل في بعض الآثار أن بينهما أربعين سنة، وفيه منع ظاهر لجواز أن تكون الصيغ الثلاث حكاية لدعاء واحد مرة على سبيل الإيجاز، وتارة على سبيل الإسهاب، وأخرى على سبيل التوسط، وهذه الحكاية في هذه الضيع إنما هي بالمعنى إذ لم يكن لسانهم عربيا؛ ولهذا ورد عن الحسن أنه عليه السلام حين دعا قال: يا رازق مريم ثمار الصيف في الشتاء وثمار الشتاء في الصيف * (هب لي من لدنك ذرية) * ولم يذكر في الدعاء - يا رب - قيل: ويدل على أنه دعاء واحد متعقب بالتبشير العطف بالفاء في [بم قوله تعالى:
* (فنادته المل‍ائكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الص‍الحين) *.
* (فنادته الملائكة) * وفي قوله سبحانه: * (فاستجبنا له ووهبنا له يحيى) * (الأنبياء: 90) وظاهر قوله جل شأنه في مريم: * (إنا نبشرك) * (مريم: 7) اعتقاب التبشير الدعاء لا تأخره عنه، وأثر - إن بين الدعاء والإجابة أربعين سنة - لم نجد له أثرا في الصحاح، نعم ربما يشعر بعض الأخبار الموقوفة أن بين الولادة والتبشير مدة كما سنشير إلى ذلك قريبا إن شاء الله تعالى، والمراد من الملائكة جبريل عليه السلام فإنه المنادي وحده - كما أخرجه ابن جرير عن ابن مسعود - وذكر عبد الرحمن بن أبي حماد أنه كان يقرأ فناداه جبريل، فالجمع هنا مجاز عن الواحد للتعظيم، أو يكون هذا من إسناد فعل البعض للكل، وقيل: الجمع فيه مثله في قولك: فلان يركب الخيل ويلبس الديباج، واعترض بأن هذا إنما يصح إذا أريد واحد لا بعينه وههنا أريد المعين فلعل ما تقدم أولى بالإرادة، وقيل: الجمع على حاله والمنادي كان جملة من الملائكة، وقرأ حمزة والكسائي فناديه بالإمالة والتذكير. وأخرج ابن المنذر وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قال: ذكروا الملائكة ثم تلا * (إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى) * (النجم: 27) وكان يقرأها - فناداه الملائكة - ويذكر في جميع القرآن، وأخرج الخطيب عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ كذلك.
* (وهو قائم) * جملة حالية من مفعول النداء مقررة لما أشارت إليه الفاء على ما أشرنا إليه، وقوله تعالى: * (يصلي) * حال من المستكن في * (قائم) * أو حال أخرى من المفعول على القول بجواز تعددها من غير عطف ولا بدلية، أو خبر ثان للمتدأ على رأي من يرى مثل ذلك، وقيل: الجملة صفة - لقائم - والمراد بالصلاة ذات الأقوال والأفعال كما هو الظاهر - وعليه أكثر المفسرين -. وأخرج ابن المنذر عن ثابت قال: الصلاة خدمة الله تعالى في الأرض ولو علم الله تعالى شيئا أفضل من الصلاة ما قال: * (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي) *، وقيل: المراد بها الدعاء والأول يدل على مشروعية الصلاة في شريعتهم * (في المحراب) * أي في المسجد، أو في موقف الإمام منه، أو في غرفة مريم. والظرف متعلق
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»