تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٥٢
كما يشعر به التعرض لعنوان الربوبية، وقيل: يحتمل أن يكون الأمر بالذكر شكرا للنعمة مطلقا لا في خصوص تلك الأيام، وأن يكون في جميع أيام الحمل لتعود بركاته إليه، والمنساق إلى الذهن هو الأول، والجملة مؤكدة لما قبلها مبينة للغرض منها، واستشكل العطف من وجهين: الأول عطف الإنشاء على الإخبار، والثاني: عطف المؤكد على المؤكد، وأجيب بأنه معطوف على محذوف أي اشكر واذكر، وقيل: لا يبعد أن يجعل الأمر بمعنى الخبر عطفا على (لا تكلم) فيكون في تقدير: أن لا تكلم وتذكر ربك، ولا يخفى ما فيه * (كثيرا) * صفة لمصدر محذوف أو زمان كذلك أي ذكرا كثيرا وزمانا كثيرا * (وسبح بالعشي) * وهو من الزوال إلى الغروب - قاله مجاهد - وقيل: من العصر إلى ذهاب صدر الليل * (والإبكار) * أي وقته وهو من الفجر إلى الضحى، وإنما قدر المضاف لأن الإبكار بكسر الهمزة مصدر لا وقت فلا تحسن المقابلة كذل قيل: وهو مبني على أن * (العشى) * - جمع عشية - الوقت المخصوص، وإليه ذهب أبو البقاء، والذي ذهب إليه المعظم أنه مصدر أيضا على فعيل لا جمع. وإليه يشير كلام الجوهري فافهم؛ وقرىء * (والأبكار) * بفتح الهمزة فهو حينئذ جمع بكر كسحر لفظا ومعنى - وهو نادر الاستعمال - قيل: والمراد بالتسبيح الصلاة بدليل تقييده بالوقت كما في قوله تعالى: * (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون) * (الروم: 17) وقيل: الذكر اللساني كما أن المراد بالذكر الذكر القلبي، وعلى كلا التقديرين لا تكرار في ذكر التسبيح مع الذكر، و - أل - في الوقتين للعموم. وأبعد من جعلها للعهد أي عشي تلك الأيام الثلاثة وأبكارها والجار والمجرور متعلق بما عنده، وليس من باب التنازع في المشهور، وجوزه بعضهم فيكون الأمر بالذكر مقيدا بهذين الوقتين أيضا، وزعم بعضهم أن تقييده بالكثرة يدل على أنه لا يفيد التكرار. وفيه بعد تسليم أنه مقيد به فقط أن الكثرة أخص من التكرار.
وهذا ومن باب البطون: في الآيات أن زكريا عليه السلام كان شيخا هما وكان مرشدا للناس فلما رأى ما رأى أي تحركت غيرة النبوة فطلب من ربه ولدا حقيقيا يقوم مقامه في تربية الناس وهدايتهم فقال: * (رب هب لي من لدنك ذرية طيبة) * (آل عمران: 38) أي مطهرة من لوث الاشتغال بالسوى منفرذة عن إراداتها مقدسة من شهواتها * (فنادته الملائكة وهو قائم) * على ساق الخدمة * (يصلي في المحراب) * وهو محل المراقبة ومحاربة النفس * (أن الله يبشرك بيحيى) * وسمي به لأن من شاهد الحق في جمال نبوته يحيا قلبه من موت الفترة، أو لأنه هو يحيا بالنبوة والشهادة * (مصدقا بكلمة من الله) * وهو ما ينزل به الملك على القلوب المقدسة * (وسيدا) * وهو الذي غلب عليه نور هيبة عزة الحق، وقال الصادق: هو المباين للخلق وصفا وحالا وخلقا؛ وقال الجنيد: هو الذي جاد بالكونين طلبا لربه، وقال ابن عطاء: هو المتحقق بحقيقة الحق، وقال ابن منصور: هو من خلا عن أوصاف البشرية وحلى بنعوت الربوبية، وقال محمد بن علي: هو من استوت أحواله عند المنع والاعطاء والرد والقبول * (وحصورا) * وهو الذي حصر ومنع عن جميع الشهوات وعصم بالعصمة الأزلية، وقال الاسكندراني: هو المنزه عن الأكوان وما فيها * (ونبيا) * أي مرتفع القدر بهبوط الوحي عليه ومعدودا * (من الصالحين) * (آل عمران: 39) وهم أهل الصف الأول من صفوف الأرواح المجندة المشاهدة للحق في مرايا الخلق قال استعظاما للنعمة: * (أنى يكون لي غلام) * والحال * (قد بلغني الكبر) * وهو أحد الموانع العادية * (وامرأتي عاقر) * وهو مانع آخر * (قال كذلك الله يفعل ما يشاء) * (آل عمران: 40) حسبما تقتضيه الحكمة * (قال رب اجعل لي آية) * على العلوق لأشكرك على هذه النعمة إذ شكر المنعم واجب وبه تدوم المواهب الإلهية * (قال آيتك
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»