تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٥١
قبلها في حساب الناس يومئذ، وكونه بعدها إنما هو عند العرب خاصة كما تقدمت الإشارة إليه، واعترض بأن - آية الليالي - متقدمة نزولا لأن السورة التي هي فيها مكية والسورة التي فيها - آية الأيام - مدنية، وعليه يكون أول ظهور هذه الآية ليلا ويكون اليوم تبعا لليلة التي قبلها على ما يقتضيه حساب العرب فتدبر. فالبحث محتاج إلى تحرير بعد، وإنما جعل عقل اللسان آية العلوق لتخلص المدة لذكر الله تعالى وشكره قضاءا لحق النعمة كأنه قيل له: آية حصول النعمة أن تمنع عن الكلام إلا بشكرها، وأحسن الجواب على ما قيل ما أخذ من السؤال كما قيل لأبي تمام لم تقول ما لا نفهم؟ فقال: لم لا نفهم ما يقال؟ وهذا مبني على أن سؤال الآية منه عليه السلام إنما كان لتلقي النعمة بالشكر، ولعل دلالة كلامه على ذلك بواسطة المقام وإلا ففي ذلك خفاء كما لا يخفى. وأخرج عبد الرزاق وغيره عن قتادة أن حبس لسانه عليه السلام كان من باب العقوبة حيث طلب الآية بعد مشافهة الملائكة له بالبشارة ولعل الجناية حينئذ من باب - حسنات الأبرار سيآت المقربين - ومع هذا حسن الظن يميل إلى الأول، ومذهب قتادة - لا آمن على الأقدام الضعيفة - قتادة * (إلا رمزا) * أي إيماءا وأصله التحرك يقال: ارتمز أي تحرك، ومنه قيل للبحر: الراموز، وأخرج الطيبي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن الرمز فقال: الإشارة باليد والوحي بالرأس فقال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت قول الشاعر: ما في السماء من الرحمن (مرتمز) * إلا إليه وما في الأرض من وزر وعن مجاهد أن الرمز هنا كان تحريك الشفتين، وقيل: الكتابة على الأرض، وقيل: الإشارة بالمسبحة، وقيل: الصوت الخفي وقيل: كل ما أوجب اضطرابا في الفهم كان رمزا وهو استثناء منقطع بناءا على أن الرمز الإشارة والإفهام من دون كلام - وهو حينئذ ليس من قبيل المستثنى منه - وجوز أن يكون متصلا بناءا على أن المراد بالكلام ما فهم منه المرام ولا ريب في كون الرمز من ذاك القبيل، ولا يخفى أن هذا التأويل خلاف الظاهر ويلزم منه أن لا يكون استثناء منقطع في الدنيا أصلا إذ ما من استثناء إلا ويمكن تأويله بمثل ذلك مما يجعله متصلا ولا قائل به، وتعقب ابن الشجري النصب على الاستثناء هنا مطلقا وادعى أن * (رمزا) * مفعول به منتصب بتقدير حذف الخافض، والأصل أن لا تكلم الناس إلا برمز، فالعامل الذي قبل * (إلا) * مفرغ في هذا النحو للعمل فيما بعدها بدليل أنك لو حذفت * (إلا) * وحرف النفي استقام الكلام تقول في نحو - ما لقيت إلا زيدا - لقيت زيدا، وفي - ما خرج إلا زيد - خرج زيد، وكذا لو قلت - آيتك أن تكلم الناس رمزا - استقام وليس كذلك الاستثناء، فلو قلت: ليس القوم في الدار إلا زيدا أو إلا زيد - ثم حذفت النفي وإلا - فقلت: القوم في الدار زيدا، أو زيد لم يستقم، فكذا المنقطع نحو - ما خرج القوم إلا حمارا - لو قلت: خرج القوم حمارا لم يستقم قاله السفاقسي، وقرأ يحيى بن وثاب * (إلا رمزا) * بضمتين جمع رموز كرسول ورسل. وقرىء * (ورمزا) * بفتحتين جمع رامز - كخادم وخدم - وهو من نادر الجمع وعلى القراءتين يكون حالا من الفاعل والمفعول معا أي مترامزين. ومثله قول عنترة: متى ما تلقني (فردين) ترجف * روانف أليتيك وتستطارا وجوز أبو البقاء أن يكون * (رمزا) * على قراءة الضم مصدرا، وجعله مسكن الميم في الأصل والضم عارض للاتباع كاليسر واليسر، وعليه لا يختلف إعرابه فافهم.
* (واذكر ربك) * أي في أيام الحبسة شكرا لتلك النعمة
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»