تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٥٠
عن قتادة أنه قال: إن الملائكة شافهته عليه السلام بذلك مشافهة فبشرته بيحيى.
* (قال) * أي الرب، والجملة استئناف على طرز ما مر * (كذالك الله يفعل ما يشآء) * أي يفعل الله ما يشاء أن يفعله من الأفعال العجيبة الخارقة للعادة فعلا مثل ذلك الفعل العجيب والصنع البديع الذي هو خلق الولد مع الحالة التي يستبعد معها الخلق بحسب العادة، فالكاف في محل نصب على أنها صفة لمصدر محذوف، والإشارة لذلك المصدر، وقدم الجار لإفادة القصر بالنسبة إلى ما هو أدنى من المشار إليه واعتبرت الكاف مقحمة لتأكيد الفخامة المشعر بها اسم الإشارة على ما أشير إليه من قبل في نظيره، ويحتمل الكلام أوجها أخر. الأول: أن يكون الكاف في موضع الحال من ضمير المصدر المقدر معرفة أي يفعل الفعل كائنا مثل ذلك، الثاني: أن يكون في موضع الرفع على أنه خبر مقدم، و * (الله) * مبتدأ مؤخر أي كهذا الشأن العجيب شأن الله تعالى، وتكون جملة * (يفعل ما يشاء) * بيانا لذلك الشأن المبهم، الثالث: أن يكون * (كذلك) * في موضع الخبر لمبتدأ محذوف أي: الأمر كذلك وتكون جملة * (الله يفعل ما يشاء) * بيانا أيضا، الرابع: أن يكون ذلك إشارة إلى المذكور من حال زكريا عليه السلام كأنه قال: رب على أي حال يكون لي الغلام؟ فقيل له: كما أنت يكون الغلام لك، وتكون الجملة حينئذ تعليلا لما قبلها كذا قالوا، ولا يخفى ما في بعض الأوجه من البعد، وعلى كل تقدير التعبير بالاسم الجليل روما للتعظيم.
* (قال رب اجعل لىءاية قال ءايتك ألا تكلم الناس ثل‍اثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشى والإبك‍ار) *.
* (قال رب اجعل ليءاية) * أي علامة تدلني على العلوق وإنما سألها استعجالا للسرور قاله الحسن، وقيل ليتلقى تلك النعمة بالشكر حين حصولها ولا يؤخر حتى تظهر ظهورا معتادا، ولعل هذا هو الأنسب بحال أمثاله عليه السلام، وقول السدي: إنه سأل الآية - ليتحقق أن تلك البشارة منه تعالى لا من الشيطان - ليس بشيء كما أشرنا إليه آنفا، والجعل إما بمعنى التصيير فيتعدى إلى مفعولين أولهما: * (آية) *، وثانيما: * (لي) * والتقديم لأنه المسوغ لكون * (آية) * مبتدأ عند الانحلال، وإما بمعنى الخلق والإيجاد فيتعدى إلى مفعول واحد وهو * (آية) * و * (لي) * حينئذ في محل نصب على الحال من * (آية) * لأنه لو تأخر عنها كان صفة لها، وصفة النكرة إذا تقدمت عليها أعربت حالا منها كما تقدمت الإشارة إليه غير مرة - ويجوز أن يكون متعلقا بما عنده وتقديمه للاعتناء به والتشويق لما بعده.
* (قال ءايتك الا تكلم الناس) * أي أن لا تقدر على تكليمهم من غير آفة وهو الأنسب بكونه آية والأوفق لما في سورة مريم، وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن جبير بن معتمر قال: ربا لسانه في فيه حتى ملأه فمنعه الكلام، والآية فيه عدم منعه من الذكر والتسبيح، وعلى كلا التقديرين عدم التكليم اضطراري، وقال أبو مسلم: إنه اختياري، والمعنى - آيتك أن تصير مأمورا بعدم التكلم إلا بالذكر والتسبيح - ولا يخفى بعده هنا، وعليه وعلى القولين قبله يحتمل أن يراد من عدم التكليم ظاهره فقط وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون كناية عن الصيام لأنهم كانوا إذ ذاك إذا صاموا لم يكلموا أحدا - وإلى ذلك ذهب عطاء - وهو خلاف الظاهر، ومع هذا يتوقف قبوله على توقيف، وإنما خص تكليم الناس للإشارة إلى أنه غير ممنوع من التكلم بذكر الله تعالى * (ثلاثة أيام) * أي متوالية، وقال بعضهم المراد ثلاثة أيام ولياليها، وقيل: الكلام على حذف مضاف أي ليالي ثلاثة أيام لقوله سبحانه في سورة (مريم: 10) * (ثلاث ليال) * والحق أن الآية كانت عدم التكليم ستة أفراد إلا أنه اقتصر تارة على ذكر * (ثلاث أيام) * منها وأخرى على * (ثلاث ليال) * وجعل ما لم يذكر في كل تبعا لما ذكر، قيل: وإنما قدم التعبير بالأيام لأن يوم كل ليلة
(١٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 ... » »»