* (إن الله يرزق من يشاء) * من عباده أن يرزقه * (بغير حساب) * تقدم معناه، والجملة تعليل لكونه من عند الله، والظاهر أنها من كلام مريم فحينئذ تكون في محل النصب داخلة تحت القول، وقال الطبري: إنها ليست من كلامها بل هي مستأنفة من كلامه تعالى إخبارا لنبيه صلى الله عليه وسلم، والأول أولى، وقد أخرج أبو يعلى عن جابر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئا فأتى فاطمة فقال: يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع؟ فقالت: لا والله فلما خرج من عندها بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت: لأوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي وكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها فقالت له: بي أنت وأمي قد أتى الله تعالى بشيء قد خبأته لك قال: هلمي يا بنية بالجفنة فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله تعالى فحمدت الله تعالى وقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه حمد الله تعالى، وقال: من أين لك هذا يا بنية؟ قالت: يا أبتي هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب فحمد الله سبحانه ثم قال: الحمد لله الذي جعلك شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها الله تعالى رزقا فسئلت عنه قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ثم جمع عليا والحسن والحسين وجمع أهل بيته حتى شبعوا وبقي الطعام كما هو فأوسعت فاطمة رضي الله تعالى عنها على جيرانها ".
هذا ومن باب الإشارة في الآيات: * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) * نهى عن موالاة المؤمنين الكافرين لعدم المناسبة بينهم في الحقيقة ولفرق بين الظلمة والنور والظل والحرور، والولاية تقتضي المناسبة ومتى لم تحصل كانت الولاية عن محض رياء أو نفاق والله تعالى لا يحب المرائين ولا المنافقين، ومن هنا نهى أهل الله تعالى المريدين عن موالاة المنكرين لأن ظلمة الإنكار - والعياذ بالله تعالى - تحاكي ظلمة الكفر وربما تراكمت فسدت طريق الإيمان، ومن يفعل ذلك فليس من ولاية الله تعالى في شيء معتد به إذ ليس فيه نورية صافية يناسب بها الحضرة الإلهية * (إلا أن تتقوا منهم تقاة) * فحينئذ تجوز الموالاة ظاهرا، وهذا بالنسبة للضعفاء وأما من قوي يقينه فلا يخشى إلا الله تعالى * (ويحذركم الله نفسه) * أي يدعوكم إلى التوحيد العياني لئلا يكون خوفكم من غيره * (وإلى الله المصير) * (آل عمران: 28) فلا تحذروا إلا إياه، والأكثرون على أن هذا خطاب للخواص العارفين إذ لا يحذر نفسه من لا يعرفه وقد حذر من دونهم بقوله سبحانه: * (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) * (البقرة: 281) قال إبراهيم الخواص: وعلامة الخوف في القلب دوام المراقبة وعلامة المراقبة التفقد للأحوال النازلة * (قل إن تخفوا ما في صدوركم) * من الموالاة * (أو تبدوه يعلمه الله) * لأنه مع كل نفس وخطرة * (ويعلم ما في) * سموات الأرواح وأرض الأجسام * (والله على كل شيء قدير) * (آل عمران: 29) فلا يشغله شأن عن شأن ولا يقيده مظهر عن مظهر * (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء) * لأن كل ما يعمله الإنسان أو يقوله ينتقش منه أثر في نفسه ويسطر في صحائف النفوس السماوية إلا أنه لاشتغاله بالشواغل الحسية والإدراكات الوهمية والخيالية لا يرى تلك النقوش ولا يبصر هاتيك السطور فإذا تجرد عن عالم الكثافة بصر ورأى وشاهد ما به قلم الاستعداد جرى فإذا وجد سوءا * (تود) * نفسه وتتمنى * (لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا) * لتعذبها به * (ويحذركم الله نفسه) * كرره تأكيدا لئلا يعملوا ما يستحقون به عقابه * (والله رءوف بالعباد) * (آل عمران: 30) أي بسائرهم فلهذا حذرهم،