تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٣٦
وتمام الكلام في هذا المقام ما ذكره بعض المحققين أنه إذا دخل نفي بلا أو غيرها، أو ما في معناه على تشبيه مصرح بأركانه، أو ببعضها احتمل معنيين تفضيل المشبه بأن يكون المعنى أنه لا يشبه بكذا لأن وجه الشبه فيه أولى وأقوى - كقولك ليس زيد كحاتم في الجود - ويحتمل عكسه بأن يكون المعنى أنه لا يشبه به لبعد المسافة بينهما كقول العرب - ماء ولا كصداء، ومرعى ولا كالسعدان، وفتى ولا كمالك - وقوله: طرف الخيال ولا كليلة مدلج ووقع في شروح " المقامات " وغيرها أن العرب لم تستعمل النفي بلا على هذا الوجه إلا للمعنى الثاني وأن استعماله لتفضيل المشبه من كلام المولدين حتى اعترضوا على قول الحريري في قوله: غدوت ولا اغتداء الغراب وعيب قول صاحب " التلويح " في خطبته: نال حظا من الاشتهار ولا اشتهار الشمس نصف النهار، ومبنى الاعتراض على هذا، ولعله ليس بلازم كما أشار إليه صاحب " الانتصاف " بما أورد منه الآيات، ومما أورده الثعالبي من خلافه أيضا في كتابه " المنتخب " - فلا حسن ولا القمر، وجواد ولا المطر - على أنه لو سلم ما ذكروه فالمعاني لا حجر فيها على أن ما ورد في النفي بلا المعترضة بين الطرفين لا في كل نفي انتهى. - وهو كما قال: من نفائس المعاني التي ينبغي حفظها -.
وقوله تعالى: * (وإني سميتها مريم) * عطف على * (إني وضعتها أنثى) * المنصوبة المحل على المفعولية للقول - وما بينهما كما علمت - اعتراض بجملتين غير محكيتين الثانية من تتمة الأولى معنى على ما بين ولهذا أجراه البعض مجرى الاعتراض في الاعتراض فجعله نظير قوله تعالى: * (إنه لقسم لو تعلمون عظيم) * (الواقعة: 76). واعترض بأنه كيف يجوز الاعتراض بين كلامي أم مريم وكلام متكلم لا يجوز أن يكون معترضا بين كلامي متكلم آخر، وأجيب بأن كلام أم مريم من كلام الله تعالى نقلا عن أم مريم ولا بعد في أن يكون كلامه تعالى اعتراضا بين كلاميها اللذين هما من كلام الله تعالى نقلا عنها، هذا على تقدير أن لا تكون تانك الجملتان من كلام أم مريم أما إذا كانتا من كلامها بناءا على ما سبق من القراءة والاحتمال فلا اعتراض. قيل: والغرض من عرضه التسمية على علام الغيوب التقرب إليه تعالى واستدعاء العصمة لها فإن مريم في لغتهم بمعنى العابدة - ولا يخفى بعده - إذ مجرد ذكر تسميتها مريم لا يكاد يكون مقربا لها إليه تعالى لأن التقرب إليه تعالى إنما يكون بسبب العبادة - ومجرد عرض التسمية ليس بعبادة - فكيف يكون مقربا اللهم إلا أن يقال: إن التقرب إلى الله تعالى بحبها للعبادة الذي أشعر به تسميتها بنتها عابدة، أو اعتقاد أن الله تعالى مستعاذ يجير من يستعيذ به عما يخافه. واعترض بأن هذا لا يدفع الشبهة بل هي باقية أيضا لأن المقرب حينئذ ما في القلب من الحب والاعتقاد لا عرض ذلك على من لا تخفى عليه خافية، والأولى أن يقال: إن الغرض من ذلك إظهار أنها غير راجعة عن نيتها وإن كان ما وضعته أنثى وأنها وإن لم تكن خليقة بسدانة بيت المقدس فلتكن من العابدات فيه واستقلالها بالتسمية لكون أبيها قد مات وأمها حامل بها فتقديم المسند إليه للتخصيص يعني التسمية مني لا يشاركني فيها أبوها، قيل: وفي ذلك تعريض بيتمها استعطافا له تعالى وجعلا ليتمها شفيعا لها، والقول بأن فائدة عرض تسميتها التحسر والتحزن أيضا أي إني سميتها لا أبوها لعدم احتفاله بها والتفاته إليها لكراهة الرجال في الغالب البنات فمع أنه خلاف ما دل عليه أكثر الآثار ونطق به غالب الأخبار من موت أبيها وهي حمل يجر إلى ما ينبغي أن تنزه عنه ساحة الرجل الصالح عمران كما لا يخفى، وقد تقدم الكلام في مريم وزنا ومعنى، وقد اختار بعض المتأخرين أنها معربة مارية بمعنى - جارية - ويقرب أن يكون القول المعول عليه، واستدل بالآية على جواز تسمية الأطفال يوم الولادة لا يوم السابع لأن الظاهر أنها إنما قالت ذلك بإثر الوضع، واستدل بتغاير المفعولين على
(١٣٦)
مفاتيح البحث: الجود (1)، الموت (1)، الجواز (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 141 ... » »»