تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٣٠
ومناسة الآية لما قبلها كما قال الطيبي: أنه سبحانه لما عظم ذاته وبين جلالة سلطانه بقوله جل وعلا: * (قل اللهم مالك الملك) * (آل عمران: 26) الخ تعلق قلب العبد المؤمن بمولى عظيم الشأن ذي الملك والملكوت والجلال والجبروت، ثم لما ثنى بنهي المؤمنين عن موالاة أعدائه وحذر عن ذلك غاية التحذير بقوله عز قائلا: * (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء) * (آل عمران: 28) الخ؛ ونبه على استئصال تلك الموالاة بقوله عز شأنه: * (إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه) * (آل عمران: 29) الآية وأكد ذلك بالوعيد الشديد زاد ذلك التعلق أقصى غايته فاستأنف قوله جل جلاله: * (قل إن كنتم تحبون الله) * ليشير إلى طريق الوصول إلى هذا المولى جل وعلا فكأن قائلا يقول: بأي شيء ينال كمال المحبة وموالاة الرب؟ فقيل: بعد قطع موالاة أعدائنا تنال تلك الدرجة بالتوجه إلى متابعة حبيبنا إذ كل طريق سوى طريقه مسدود وكل عمل سوى ما أذن به مردود.
واختلف في سبب نزولها فقال الحسن وابن جريج: زعم أقوام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يحبون الله تعالى فقالوا يا محمد: إنا نحب ربنا فأنزل الله تعالى هذه الآية، وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه قال: " وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قريش في المسجد الحرام وقد نصبوا أصنامهم وعلقوا عليها بيض النعام وجعلوا في آذانها الشنوف وهم يسجدون لها فقال يا معشر قريش لقد خالفتم ملة أبيكم إبراهيم وإسمعيل ولقد كانا على الإسلام فقالت قريش: يا محمد إنما نعبد هذه حبا لله تعالى لتقربنا إلى الله سبحانه زلفى فأنزل الله تعالى: * (قل إن كنتم تحبون) * الخ، وفي رواية أبي صالح " إن اليهود لما قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه أنزل هذه الآية فلما نزلت عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود فأبوا أن يقبلوها " وروى محمد بن إسحق عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: " نزلت في نصارى نجران وذلك أنهم قالوا: إنما نعظم المسيح ونعبده حبا لله تعالى وتعظيما له فأنزل الله هذه الآية ردا عليهم " يروى أنها لما نزلت قال عبد الله بن أبي إن محمدا يجعل طاعته كطاعة الله تعالى ويأمرنا أن نحبه كما أحب النصارى عيسى [بم فنزل قوله تعالى:
* (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الك‍افرين) *.
* (قل أطيعوا الله والرسول) * أي في جميع الأوامر والنواهي ويدخل في ذلك الأمر السابق دخولا أوليا، وإيثار الإظهار على الإضمار بطريق الالتفات لتعيين حيثية الإطاعة والاشعار بعلتها، وفيه إشارة إلى رد شبهة المنافق كأنه يقول: إنما أوجب الله تعالى عليكم متابعتي لا لما يقول النصارى في عيسى بل لكوني رسول الله * (فإن تولوا) * أي أعرضوا أو تعرضوا على أن تكون إحدى التائين محذوفة فيكون حينئذ داخلا في حيز المقول وفي ترك ذكر احتمال الإطاعة تلويح إلى أنها غير محتملة منهم * (فإن الله لا يحب الكافرين) * أي لا يقربهم أو لا يرضى عنهم بل يبعدهم عن جوار قدسه وحظائر عزه ويسخط عليهم يوم رضاه عن المؤمنين. والمراد من الكافرين من تولى ولم يعبر بضميرهم للإيذان بأن التوالي عن الطاعة كفر وبأن محبته عز وجل مخصوصة بالمؤمنين لأن نفيها - عن هؤلاء الكفار المستلزم لنفيها عن سائرهم لاشتراك العلة - يقتضي الحصر في ضدهم.
* (إن الله اصطفى آدم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على الع‍المين) *.
* (إن الله اصطفى ءادم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين) * روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أن اليهود قالوا: نحن أبناء إبراهيم وإسحق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام ونحن على دينهم فنزلت، وقيل: إن نصارى نجران لما غلوا في عيسى عليه الصلاة والسلام وجعلوه ابن الله سبحانه واتخذوه إلها نزلت ردا عليهم وإعلاما لهم بأنه من ذرية البشر المنتقلين في الأطوار المستحيلة على الإله وهذا وجه مناسبة الآية لما قبلها.
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»