تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣ - الصفحة ١٣٩
حسن وأظهر الكرامة فيها حينئذ - وفي المثل خذ الأمر بقوابله - وجوز أن تكون الباء زائدة، و - القبول - مصدر مؤكد للفعل السابق بحذف الزوائد أي قبلها قبولا حسنا، وعدل عن الظاهر للإيذان بمقارنة التقبل لكمال الرضا وموافقته للعناية الذاتية فإن صيغة التفعل مشعرة بحسب أصل الوضع بالتكلف وكون الفعل على خلاف طبع الفاعل وإن كان المراد بها في حقه تعالى ما يترتب عليه من كمال قوة الفعل وكثرته، ويحتمل على بعد بعيد أن تكون الباء للمصاحبة بمعنى مع - أي تقبل نذرها - مع قبول حسن لدعاء أمها في حقها وحق ذريتها حيث أعاذهما من الشيطان الرجيم من أول الولادة إلى خاتمة الحياة * (وأنبتها نباتا حسنا) * أي رباها الرب تربية حسنة في عبادة وطاعة لربها قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وفي رواية عنه أنه سوى خلقها فكانت تشب في يوم ما يشب غيرها في عام، وقيل: تعهدها بما يصلحها في سائر أحوالها، ففي الكلام استعارة تمثيلية أو مجاز مرسل بعلاقة اللزوم فإن الزارع يتعهد زرعه بسقيه عند الاحتياج وحمايته عن الآفات وقلع ما يخنقه من النبات. و * (نباتا) * هنا مصدر على غير لفظ الفعل المذكور وهو نائب عن إنبات، وقيل: التقدير فنبتت نباتا، والنبات والنبت بمعنى. وقد يعبر بهما عن النابت * (وكفلها زكريا) * وهو من ولد سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام - أي ضمها الله تعالى إليه وجعله كافلا لها وضامنا لمصالحها - على ما ذكر في حديث ابن عباس، وكل ذلك من آثار قدرته تعالى، ولم يكن هناك وحي إليه بذلك، وقرأ بتشديد الفاء حمزة والكسائي وعاصم، وقصروا * (زكريا) * غير عاصم في رواية ابن عياش - وهو مفعول به لكفلها - وقرأ الباقون بتخفيف الفاء ومدوا * (زكريا) * ورفعوه على الفاعلية - وفيه لغتان أخريان - إحدهما: - زكرى - بياء مشددة من غير ألف، وثانيتهما: - زكر - بغير ياء ومنعه من الصرف للعلمية والعجمة، وقيل: لألف التأنيث، وقرأ أبي (وأكفلها)، وقرأ مجاهد - فتقبلها ربها وأنبتها وكفلها - على صيغة الدعاء في الأفعال الثلاثة ونصب - ربها - على النداء أي فاقبلها يا ربها وربها، واجعل زكريا كافلا لها، وقد استجاب الله تعالى دعاءها في جميع ذلك، والذي عليه الأكثرون وشهدت له الأخبار أن كفالة زكريا كانت من أول أمرها، وزعم بعضهم أنه كفلها بعد أن فطمت ونبتت النبات الحسن وليس بالقوي * (كلما دخل عليها زكريا المحراب) * بيان لقبولها ولهذا لم يعطف، والمحراب على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما غرفة بنيت لها في بيت المقدس وجعلت بابها في وسط الحائط وكانت لا يصعد عليها إلا بسلم مثل باب الكعبة، وقيل: المراد به المسجد إذ قد كانت مساجدهم تسمى المحاريب؛ وقيل: أشرف مواضعه ومقدمها وهو مقام الإمام من المسجد في رأي، وأصله مفعال صيغة مبالغة - كمطعان - فسمي به المكان لأن المحاربين نفوسهم كثيرون فيه، وقيل: إنه يكون اسم مكان وسمي به لأن محل محاربة الشيطان فيه أو لتنافس الناس عليه ولبعض المغاربة في المدح: جمع الشجاعة والخشوع لربه * ما أحسن المحراب في المحراب وتقديم الظرف على الفاعل لإظهار كمال العناية بأمرها، ونصب * (المحراب) * على التوسع إذ حق الفعل أن يتعدى بفي؛ أو بإلى وإظهار الفاعل قيل: لفصل الجملة، و * (كلما) * ظرف على أن (ما) مصدرية، والزمان محذوف أو نكرة موصوفة معناها الوقت، والعائد محذوف والعامل فيها جوابها بالاتفاق لأن ما في حيز المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا يجري فيها الخلاف المذكور في أسماء الشرط، ومن الناس من وهم فقال: إن ناصبه فعل
(١٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 ... » »»