تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٩
التي أضمرتها، ووافقت مشيئة الله تعالى وحكمته في موضع نصب صفة - لقبلة -، ونكرها لأنه لم يجر قبلها ما يقتضي أن تكون معهودة فتعرف باللام، وليس في اللفظ ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يطلب قبلة معينة.
* (فول وجهك) * الفاء لتفريع الأمر على الوعد وتخصيص التولية بالوجه لما أنه مدار التوجه ومعياره، وقيل: المراد به جميع البدن وكنى بذلك عنه لأنه أشرف الأعضاء وبه يتميز بعض الناس عن بعض، أو مراعاة لما قبل والتولية إذا كانت متعدية بنفسها إلى تمام المفعولين كانت مستعملة بأحد المعنيين المتقدمين، وإذا كانت متعدية إلى واحد فمعناها الصرف إما عن الشيء أو إلى الشيء على اختلاف صلتها الداخلة على المفعول الثاني، وهي هنا بهذا المعنى - فوجهك - مفعول أول.
وقوله تعالى: * (شطر المسجد الحرام) * أي نحوه كما روي عن ابن عباس، أو قبله كما روي عن علي كرم الله تعالى وجهه؛ أو تلقاءه كما روي عن قتادة ظرف مكان مبهم كمفسره منصوب على الظرفية أغنى غناء إلى فان مؤدي - ول وجهك - نحو أو قبل أو تلقاء المسجد - وول وجهك إلى المسجد - واحد وإنما لم يجعل الأمر من المتعدية إلى مفعولين بأن يكون * (شطر) * مفعوله الثاني - ما قيل به - لأن ترتبه بالفاء وكونه إنجازا للوعد بأن الله تعالى يجعل مستقبل القبلة أو قريبا من جهتها بأن يؤمر بالصلاة إليها يناسبه أن يكون مأمورا بصرف الوجه إليها لا بأن يجعل نفسه مستقبلا لها أو قريبا من جهتها فإن المناسب لهذا فلنأمرنك بأن تولى ولأنه يلزم حينئذ أن يكون الواجب رعاية سمت الجهة لأن المسجد الحرام جهة القبلة فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم مأمورا بجعل نفسه مستقبل جهة المسجد أو قريبا منها كان مأمورا باستقبال جهة الجهة أو بقرب جهة الجهة بخلاف ما إذا جعل من التولية بمعنى الصرف، و - شطر - ظرفا فإنه يصير المعنى اصرف وجهك نحو المسجد الحرام وتلقاءه الذي هو جهة القبلة فيكون مأمورا بمسامته الجهة وإصابته - قاله بعض المحققين - وقيل: الشطر في الأصل لما انفصل عن الشيء ثم استعمل لجانبه وإن لم ينفصل فيكون بمعنى بعض الشيء ويتعين حينئذ جعله مفعولا ثانيا - وفيه أنه - وإن لم يلزم حينئذ وجوب رعاية جهة الجهة لكن عدم مناسبته بانجاز الوعد باق، والقول - بأن الشطر هنا بمعنى النصف - مما لا يكاد يصح، و - الحرام - المحرم أي محرم فيه القتال؛ أو ممنوع من الظلمة أن يتعرضوا، وفي ذكر المسجد الحرام الذي هو محيط بالكعبة دون الكعبة مع أنها القبلة التي دلت عليها الأحاديث الصحاح إشارة إلى أنه يكفي للبعيد محاذاة جهة القبلة وإن لم يصب عينها وهذه الفائدة لا تحصل من لفظ الشطر - كما قاله جمع - لأنه لو قيل: فول وجهك شطر الكعبة لكان المعنى اجعل صرف الوجه في مكان يكون مسامتا ومحاذيا للكعبة - وهذا هو مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وأحمد، وقول أكثر الخراسانيين من الشافعية - ورجحه حجة الإسلام في " الإحياء " إلا أنهم قالوا: يجب أن يكون قصد المتوجه إلى الجهة العين التي في تلك الجهة لتكون القبلة عين الكعبة، وقال العراقيون والقفال منهم: يجب إصابة العين، وقال الإمام مالك: إن الكعبة قبلة أهل المسجد، والمسجد قبلة مكة، وهي قبلة الحرم، وهو قبلة الدنيا، وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما مرفوعا ما يدل عليه، وهذا الخلاف في غير من يكون شاهدا أما هو فيجب عليه إصابة العين بالإجماع، ولم يقيد سبحانه وتعالى التولية في الصلاة لأن المطلوب لم يكن سوى ذلك فأغنى عن الذكر، وقيل: لأن الآية نزلت، وهو صلى الله عليه وسلم في الصلاة فأغنى التلبس بها عن ذكرها، واستدل هذا القائل بما ذكره القاضي تبعا لغيره أنه صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجه إلى الكعبة في رجب بعد الزوال قبل قتال بدر بشهرين، وقد صلى بأصحابه في مسجد بني سلمة ركعتين من الظهر فتحول في الصلاة واستقبل الميزاب، وتبادل الرجال والنساء صفوفهم - فسمى المسجد مسجد القبلتين -
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»