أفضلا عن إجماعهم، وأن الأرض لا تخلو عن واحد منهم حتى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، ولا يخفى أن دون إثبات ما قالوه خرط القتاد * (لتكونوا شهدآء على الناس) * أي سائر الأمم يوم القيامة بأن الله تعالى قد أوضح السبل وأرسل الرسل فبلغوا ونصحوا وهو غاية - للجعل - المذكور مترتبة عليه. أخرج الإمام أحمد وغيره عن أبي سعيد قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل والنبي ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه فيقال لهم هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيدعى محمد وأمته فيقال لهم: هل بلغ هذا قومه؟ فيقولون: نعم. فيقال: وما علمكم؟ فيقولون: جاءنا نبينا صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا فذلك قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * " وفي رواية: " فيؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم فيسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بعدالتهم " وذلك قوله عز وجل: * (ويكون الرسول عليكم شهيدا) * وكلمة الاستعلاء لما في - الشهيد - من معنى الرقيب، أو لمشاكلة ما قبله، وأخرت صلة الشهادة أولا وقدمت آخرا لأن المراد في الأول: إثبات شهادتهم على الأمم، وفي الثاني: اختصاصهم - بكون الرسول شهيدا عليهم - وقيل: لتكونوا شهداء على الناس في الدنيا فيما لا يصلح إلا بشهادة العدول الأخيار * (ويكون الرسول عليكم شهيدا) * ويزكيكم ويعلم بعدالتكم، والآثار لا تساعد ذلك على ما فيه * (وما جعلنا القبلة التي كنت عليهآ) * وهي صخرة بيت المقدس، بناءا على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن قبلته صلى الله عليه وسلم بمكة كانت بيت المقدس لكنه لا يستدبر الكعبة - بل يجعلها بينه وبينه - و * (التي) * مفعول ثان - لجعل - لا صفة القبلة والمفعول الثاني محذوف أي (قبلة) كما قيل. وقال أبو حيان: إن - الجعل - تحويل الشيء من حالة إلى أخرى، فالمتلبس بالحالة الثانية هو المفعول الثاني، كما في - جعلت الطين خزفا - فينبغي أن يكون المفعول الأول هو الموصول والثاني هو القبلة وهو المنساق إلى الذهن بالنظر الجليل، ولكن التأمل الدقيق يهدي إلى ما ذكرنا لأن القبلة عبارة عن الجهة التي تستقبل للصلاة - وهو كلي - والجهة التي كنت عليها جزئي من جزئياتها، - فالجعل - المذكور من باب تصيير الكلي جزئيا، ولا شك أن الكلي يصير جزئيا - كالحيوان يصير إنسانا - دون العكس، والمعنى أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة - كما هو الآن - * (وما جعلنا) * قبلتك بيت المقدس لشيء من الأشياء * (إلا لنعلم) * أي في ذلك الزمان * (من يتبع الرسول) * أي يتبعك في الصلاة إليها، والالتفات إلى الغيبة مع إيراده صلى الله عليه وسلم بعوان الرسالة للإشارة إلى علة الاتباع.
* (ممن ينقلب على عقبيه) * أي يرتد عن دين الإسلام فلا يتبعك فيها ألفا لقبلة آبائه، و (من) هذه للفصل كالتي في قوله تعالى: * (والله يعلم المفسد من المصلح) * (البقرة: 220) والكلام من باب الاستعارة التمثيلية بجامع أن المنقلب يترك ما في يديه ويدبر عنه على أسوأ أحوال الرجوع، وكذلك المرتد يرجع عن الإسلام ويترك ما في يديه من الدلائل على أوسأ حال. و (نعلم) حكاية حال ماضية، و (يتبع) و (ينقلب) بمعنى الحدوث، - والجعل - مجاز باعتبار أنه كان الأصل استقبال الكعبة، أو المعنى: ما جعلنا قبلتك بيت المقدس إلا لنعلم الآن بعد التحويل إلى الكعبة من يتبعك حينئذ ممن لا يتبعك كبعض أهل الكتاب ارتدوا لما تحولت القبلة فنعلم على حقيقة الحال. والحاصل أن ما فعلناه كان لأمر عارض - وهو امتحان الناس -