الحسن - ودليل الاستطراد (ولكل وجهة) (البقرة: 148) نعم إن قيل: بمجرد الجواز فلا بأس إذ هو محتمل، ولعله الظاهر بالنظر الجليل، وقيل: الضمير - للعلم - المذكور بقوله تعالى: * (من بعد ما جاءك من العلم) * أو القرآن بادعاء حضوره في الأذهان، أو للتحويل لدلالة مضمون الكلام السابق عليه، وفيه أن التشبيه يأبى ذلك لأن المناسب تشبيه الشيء بما هو من جنسه، فكان الواجب في نظر البلاغة حينئذ كما يعرفون التوراة أو الصخرة، وأن التخصيص بأهل الكتاب يقتضي أن تكون هذه المعرفة مستفادة من (الكتاب) وقد أخبر سبحانه عن ذكر نعته صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل بخلاف المذكورات فإنها غير مذكور فيه ذكرها فيهما - والكاف - في محل نصب على أنها صفة لمصدر محذوف أي: يعرفونه بالأوصاف المذكورة في الكتاب بأنه النبي الموعود بحيث لا يلتبس عليهم عرفانا مثل - عرفانهم أبناءهم - بحيث لا تلتبس عليهم أشخاصهم بغيرهم، وهو تشبيه للمعرفة العقلية الحاصلة من مطالعة الكتب السماوية بالمعرفة الحسية في أن كلا منهما يتعذر الاشتباه فيه، والمراد - بالأبناء - الذكور لأنهم أكثر مباشرة ومعاشرة للآباء، وألصق وأعلق بقلوبهم من البنات، فكان ظن اشتباه أشخاصهم أبعد، وكان التشبيه بمعرفة الأبناء آكد من التشبيه بالأنفس لأن الإنسان قد يمر عليه قطعة من الزمان لا يعرف فيها نفسه كزمن الطفولية - بخلاف الأبناء - فإنه لا يمر عليه زمان إلا وهو يعرف ابنه. وما حكي عن عبد الله بن سلام أنه قال في شأنه صلى الله عليه وسلم: أنا أعلم به مني بابني، فقال له عمر رضي الله تعالى عنه: لم؟ قال: لأني لست أشك بمحمد أنه نبي، فأما ولدي فلعل والدته خانت، فقبل عمر رضي الله تعالى عنه رأسه، فمعناه: أني لست أشك في نبوته عليه الصلاة والسلام بوجه، وأما ولدي فأشك في بنوته وإن لم أشك بشخصه، وهو المشبه به في الآية فلا يتوهم منه أن - معرفة الأبناء - لا تستحق أن يشبه بها لأنها دون المشبه للاحتمال، ولا يحتاج إلى القول بأنه يكفي في وجه الشبه كونه أشهر في المشبه به - وإن لم يكن أقوى - ومعرفة الأبناء - أشهر من غيرها، ولا إلى تكلف أن المشبه به في الآية إضافة - الأبناء - إليهم مطلقا سواء كانت حقة أو لا. وما ذكره ابن سلام كونه ابنا له في الواقع.
* (وإن فريقا منهم) * وهم الذين لم يسلموا. * (ليكتمون الحق) * الذي يعرفونه * (وهم يعلمون) * جملة حالية، و * (يعلمون) * إما منزلة منزلة اللازم ففيه تنبيه على كمال شناعة كتمان الحق وأنه لا يليق بأهل العلم، أو المفعول محذوف أي: يعلمونه فيكون حالا مؤكدة لأن لفظ (يكتمون الحق) يدل على علمه إذ - الكتم - إخفاء ما يعلم، أو يعلمون عقاب الكتمان، أو أنهم يكتمون فتكون مبينة، وهذه الجملة عطف على ما تقدم من عطف الخاص على العام، وفائدته تخصيص من عاند وكتم بالذم، واستثناء من آمن وأظهر علمه عن حكم الكتمان.
* (الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) * * (الحق من ربك) * استئناف كلام قصد به رد الكاتمين، وتحقيق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذا فصل، والحق إما مبتدأ خبره الجار - واللام - إما للعهد إشارة إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا ذكر بلفظ المظهر أو الحق الذي كتمه هؤلاء ووضع فيه المظهر موضع المضمر تقريرا لحقيته وتثبيتا لها، أو للجنس وهو يفيد قصر جنس الحق على ما ثبت من الله أي أن الحق ذلك كالذي أنت عليه لا غيره كالذي عليه أهل الكتاب، وإما خبر مبتدأ محذوف أي هو الحق، أو هذا الحق، و * (من ربك) * خبر بعد خبر أو حال مؤكدة - واللام - حينئذ للجنس كما في * (ذلك الكتاب) * (البقرة: م 2) ومعناه أن ما يكتمونه هو الحق - لا ما يدعونه ويزعمونه - ولا معنى حينئذ للعهد لأدائه إلى التكرار فيحتاج