إما في وقت - الجعل - أو في وقت التحويل، وما كان لعارض يزول بزواله، وقيل: المراد بالقبلة الكعبة بناءا على أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي إليها بمكة، والمعنى ما رددناك إلا لنعلم الثابت الذي لا يزيغه شبهة ولا يعتريه اضطراب ممن يرتد بقلقلة واضطراب بسبب التحويل بأنه إن كان الأول حقا فلا وجه للتحويل عنه، وإن كان الثاني فلا معنى للأمر بالأول - والجعل - على هذا حقيقة، و * (يتبع) * للاستمرار بقرينة مقابله، ويضعف هذا القول أنه يستلزم دعوى نسخ القبلة مرتين، واستشكلت الآية بأنها تشعر بحدوث - العلم - في المستقبل - وهو تعالى لم يزل عالما - وأجيب بوجوه، الأول: أن ذلك على سبيل التمثيل، أي فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم. الثاني: أن المراد - العلم - الحالي الذي يدور عليه - فلك الجزاء - أي ليتعلق علمنا به موجودا بالفعل، فالعلم مقيد بالحادث، والحدوث راجع إلى القيد. الثالث: أن المراد ليعلم الرسول والمؤمنون، وتجوز في إسناد فعل بعض خواص الملك إليه تنبيها على كراهة القرب والاختصاص، فهو كقول الملك: فتحنا البلد، وإنما فتحها جنده. الرابع: أنه ضمن العلم معنى التمييز أو أريد به التمييز في الخارج، وتجوز بإطلاق اسم السبب على المسبب؛ ويؤيده تعديه بمن كالتمييز - وبه فسره ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - ويشهد له قراءة * (ليعلم) * على البناء للمفعول حيث إن المراد ليعلم كل من يأتي منه - العلم - وظاهر أنه فرع تمييز الله وتفريقه بينهما في الخارج بحيث لا يخفى على أحد الخامس أن المراد به الجزاء، أي لنجازي الطائع والعاصي، وكثيرا ما يقع التهديد في القرآن بالعلم. السادس: أن * (نعلم) * للمتكلم مع الغير، فالمراد ليشترك - العلم - بيني وبين الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ويرد على هذا أن مخالفته مع جعلنا آب عنه، مع أن تشريك الله تعالى مع غيره في ضمير واحد غير مناسب، ثم العلم إن كان مجازا عن التمييز - فمن، وممن - مفعولاه بواسطة وبلا واسطة، وإن كان حقيقة فإما أن يكون من الإدراك المعدى إلى مفعول واحد - فمن - موصولة في موضع نصب به، و * (ممن) * حال أي متميزا (ممن) أو من - العلم - المعدى إلى مفعولين فمن استفهامية في موضع المبتدا، و * (يتبع) * في موضع الخبر، والجملة في موضع المفعولين، * (ممن ينقلب) * حال لمن فاعل * (يتبع) * وبهذا يندفع قول أبي البقاء: إنه لا يجوز أن تكون (من) استفهامية لأنه لا يبقى لقوله تعالى: * (ممن ينقلب) * متعلق لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل فيما بعده، ولا معنى لتعلقه بيتبع والكلام دال على هذا التقدير - فلا يرد أنه لا قرينة عليه - ثم إن جملة * (وما جعلنا) * الخ، معطوفة كالجملتين التاليتين لها على مجموع السؤال والجواب بيان لحكمة التحويل، وقيل: معطوفة على * (ولله المشرق والمغرب) * (البقرة: 115) ويحتاج إلى أن يقال حينئذ: إنه صلى الله عليه وسلم مأمور بأداء مضمون هذا الكلام بألفاظه إذ لا يصح ضمير المتكلم في كلامه عليه الصلاة والسلام، وفيه بعد ما كما لا يخفى * (وإن كانت لكبيرة) * أي شاقة ثقيلة، والضمير لما دل عليه قوله تعالى: * (وما جعلنا) * (البقرة: 143) الخ من الجعلة، أو التولية، أو الردة، أو التحويلة، أو الصيرورة، أو المتابعة، أو القبلة، وفائدة اعتبار التأنيث - على بعض الوجوه - الدلالة على أن هذا الرد والتحويل بوقوعه مرة واحدة، واختصاصه بالنبي صلى الله عليه وسلم كانت ثقيلة عليهم حيث لم يعهدوه سابقا، والقول بأن تأنيث (كبيرة) يجعله صفة حادثة، وتأنيث الضمير لتأنيث الخبر فيرجع إلى - الجعل - أو الرد أو التحويل بدون تكلف تكلف عري عن الفائدة و * (إن) * هي المخففة من الثقيلة المفيدة لتأكيد الحكم ألغيت عن العمل فيما بعدها بتوسط (كان)
(٦)