تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٧٦
أمرتم بقتلهم، وقرأ حمزة والكسائي (ولا تقتلوهم حتي يقتلوكم فإن قتلوكم فاقتلوهم) واعترض الأعمش على حمزة في هذه القراءة فقال له: أرأيت قراءتك إذا صار الرجل مقتولا فبعد ذلك كيف يصير قاتلا لغيره؟! فقال حمزة إن العرب إذا قتل منهم رجل قالوا: قتلنا، وإذا ضرب منهم الرجل قالوا: ضربنا، وحاصله أن الكلام على حذف المضاف إلى المفعول وهو لفظ بعض فلا يلزم كون المقتول قاتلا، وأما إسناد الفعل إلى الضمير فمبني على أن الفعل الواقع من البعض برضا البعض الآخر يسند إلى الكل على التجوز في الإسناد فلا حاجة فيه إلى التقدير، ولذا اكتفى الأعمش في السؤال بجانب المفعول، وكذا قوله سبحانه: * (ولا تقتلوهم) * جاز على حقيقة من غير تأويل لأن المعنى على السلب الكلي أي لا يقتل واحد منكم واحدا منهم حتى يقع منهم قتل بعضهم. ثم إن هذا التأويل مختص بهذه القراءة ولا حاجة إليه في (لا تقاتلوهم) لأن المعنى لا تفاتحوهم والمفاتحة لا تكون إلا بشروع البعض بقتال البعض قاله بعض المحققين، وقد خفي على بعض الناظرين فتدبر. * (كذالك جزآء الك‍افرين) * تذييل لما قبله أي يفعل بهم مثل ما فعلوا، والكافرين إما من وضع المظهر موضع المضمر نعيا عليهم بالكفر أو المراد منه الجنس ويدخل المذكورون فيه دخولا أوليا. والجار في المشهور خبر مقدم وما بعده مبتدأ مؤخر، واختار أبو البقاء أن الكاف بمعنى مثل مبتدأ وجزاء خبره إذ لا وجه للتقديم.
* (فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم) * * (فإن انتهوا) * عن الكفر بالتوبة منه كما روي عن مجاهد وغيره، أو عنه وعن القتال كما قيل لقرينة ذكر الأمرين * (فان الله غفور رحيم) * فيغفر لهم ما قد سلف، واستدل به في " البحر " على قبول توبة قاتل العمد إذ كان الكفر أعظم مأثما من القتل، وقد أخبر سبحانه أنه يقبل التوبة منه.
* (وق‍اتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظ‍المين) * * (وق‍اتلوهم حتى لا تكون فتنة) * عطف على * (وقاتلوا... الذين يقاتلونكم) * (البقرة: 190) والأول مسوق لوجوب أصل القتال وهذا لبيان غايته، والمراد من الفتنة الشرك على ما هو المأثور عن قتادة والسدي وغيرهما، ويؤيده أن مشركي العرب ليس في حقهم إلا الإسلام أو السيف لقوله سبحانه: * (تقاتلونهم أو يسلمون) * (الفتح: 16) * (ويكون الدين لله) * أي خالصا له كما يشعر به اللام، ولم يجىء هنا كلمة - كله - كما في آية الأنفاللأن ما هنا في مشركي العرب، وما هناك في الكفار عموما فناسب العموم هناك وتركه هنا * (فإن انتهوا) * تصريح بمفهوم الغاية فالمتعلق الشرك - والفاء - للتعقيب * (فلا عدوان إلا على الظ‍المين) * علة للجزاء المحذوف أقيمت مقامه والتقدير: فان انتهوا وأسلموا - فلا تعتدوا - عليهم لأن العدوان على الظالمين والمنتهون ليسوا بظالمين، والمراد نفي الحسن والجواز لا نفي الوقوع لأن العدوان واقع على غير الظالمين، والمراد من العدوان العقوبة بالقتل، وسمي القتل عدوانا من حيث كان عقوبة - للعدوان - وهو الظلم كما في قوله تعالى: * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) * (البقرة: 194) * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * (الشورى: 40) وحسن ذلك لازدواج الكلام والمزاوجة هنا معنوية ويمكن أن يقال سمي جزاء الظلم ظلما لأنه وإن كان عدلا من المجازي لكنه ظلم في حق الظالم من عند نفسه لأنه ظلم بالسبب لإلحاق هذا الجزاء به وقيل: لا حذف والمذكور هو الجزاء على معنى فلا تعتدوا على المنتهين إما بجعل * (فلا عدوان إلا على الظالمين) * بمعنى - فلا عدوان على غير الظالمين - المكنى به عن المنتهين، أو جعل اختصاص العدوان بالظالمين كناية عن عدم جواز العدوان على غيرهم وهم المنتهون، واعترض بأنه على التقدير الأول: يصير الحكم الثبوتي المستفاد من القصر زائدا، وعلى التقدير الثاني: يصير المكنى عنه من المكنى به، وجوز أن يكون المذكور هو الجزاء
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»