في الشيء موجبا لاتمامه، لا يقال فيه أنه طريقة النبي صلى الله عليه وسلم بل يقال في أداء المناسك والعبادات، ويؤيد ذلك ما وقع في بعض الروايات - فأهللت - بالفاء الدالة على الترتب، وما ذكر عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه معارض بما روي عنه من القول بالوجوب وبذلك قال علي كرم الله تعالى وجهه وكان يقرأ: (وأقيموا) أيضا كما رواه عنه ابن جرير وغيره، وكذا ابن عباس، وابن عمر رضي الله تعالى عنهم انتهى، والانصاف تسليم تعارض الاخبار، وقد أخذ كل من الأئمة بما صح عنده والمسألة من الفروع، والاختلاف في أمثالها رحمة وإن الحق أن الآية لا تصلح دليلا للشافعية ومن وافقعهم كالإمامية علينا، وليس فيها عند التحقيق أكثر من بيان وجوب إتمام أفعالهما عند التصدي لأدائهما وإرشاد الناس إلى تدارك ما عسى يعتريهم من العوارض المخلة بذلك من الاحصار ونحوه من غير تعرض لحالهما من الوجوب وعدمه، ووجوب الحج مستفاد من قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * (آل عمران: 97) ومن ادعى من المخالفين أنها دليل له فقد ركب شططا وقال غلطا كما لا يخفى على من ألقى السمع وهو شهيد، وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي، وجماعة عن علي كرم الله تعالى وجهه: إتمام الحج والعمرة لله أن تحرم بهما من دويرة أهلك، ومثله عن أبي هريرة مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما من إتمامهما أن يفرد كل واحد منهماعن الآخر وأن يعتمر في غير أشهر الحج؛ وقيل: إتمامهما أن تكون النفقة حلالا، وقيل: أن تحدث لكل منهما سفرا، وقيل: أن تخرج قاصدا لهما لا لتجارة ونحوها، وقرىء (إلى البيت، و (للبيت) والأول: مروي عن ابن مسعود، والثاني: عن علي كرم الله تعالى وجهه.
* (فإن أحصرتم) * مقابل لمحذوف أي هذا إن قدرتم على إتمامهما والإحصار والحصر كلاهما في أصل اللغة بمعنى المنع مطلقا، وليس الحصر مختصا بما يكون من العدو، والإحصار بما يكون من المرض، والخوف - كما توهم الزجاج - من كثرة استعمالهما كذلك فإنه قد يشيع استعمال اللفظ الموضوع للمعنى العام في بعض أفراده، والدليل على ذلك أنه يقال: حصره العدو وأحصره كصده وأصده فلو كانت النسبة إلى العدو معتبرة في مفهوم الحصر لكان التصريح بالإسناد إليه تكرارا ولو كانت النسبة إلى المرض ونحوه معتبرة في مفهوم الإحصار لكان إسناده إلى العدو مجازا وكلاهما خلاف الأصل، والمراد من الإحصار هنا حصر العدو عند مالك، والشافعي رحمهما الله تعالى لقوله تعالى: * (فإذا أمنتم) * فإن الأمن لغة في مقابلة الخوف ولنزوله عام الحديبية، ولقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا حصر إلا حصر العدو فقيد إطلاق الآية وهو أعلم بمواقع التنزيل. وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن المراد به ما يعم كل منع من عدو ومرض وغيرهما، فقد أخرج أبو داود، والترمذي وحسنه، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم من حديث الحجاج بن عمرو " من كسر أو عرج فعليه الحج من قابل " وروى الطحاوي من حديث عبد الرحمن بن زيد قال: " أهل رجل بعمرة يقال له عمر بن سعيد فلسع فبينا هو صريع في الطريق إذ طلع عليه ركب فيهم ابن مسعود فسألوه فقال: ابعثوا بالهدي واجعلوا بينكم وبينه يوم أمارة فإذا كان ذلك فليحل " وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء لا إحصار إلا من مرض أو عدو أو أمر حابس، وروى البخاري مثله عنه، وقال عروة: كل شيء حبس المحرم فهو إحصار، وما استدل به الخصم مجاب عنه، أما الأول: فستعلم ما فيه، وأما الثاني: فإنه لا عبرة بخصوص السبب، والحمل على أنه للتأييد يأبى عنه ذكره باللام استقلالا، والقول بأن - أحصرتم - ليس عاما إذ الفعل المثبت لا عموم له فلا يراد إلا ما ورد فيه وهو حبس العدو بالاتفاق ليس بشيء لأنه إن لم يكن عاما لكنه مطلق فيجري على إطلاقه. وأما الثالث: فلأنه بعد تسليم حجية قول ابن عباس