عن ذلك فنزلت، واستدل بها على إباحة التجارة والإجارة وسائر أنواع المكاسب في الحج وإن ذلك لا يحبط أجرا ولا ينقص ثوابا، ووجه الارتباط أنه تعالى لما نهى عن الجدال في الحج كان مظنة للنهي عن التجارة فيه أيضا لكونها مفضية في الأغلب إلى النزاع في قلة القيمة وكثرتها فعقب ذلك بذكر حكمها، وذهب أبو مسلم إلى المنع عنها في الحج، وحمل الآية على ما بعد الحج، وقال؛ المراد واتقون في كل أفعال الحج ثم بعد ذلك ليس عليكم جناح الخ كقوله تعالى: * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) * (الجمعة: 10) وزيف بأن حمل الآية على محل الشبهة أولى من حملها على ما لا شبهة فيه ومحل الاشتباه هو التجارة في زمان الحج. وأما بعد الفراغ فنفي الجناح معلوم وقياس الحج على الصلاة فاسد فإن الصلاة أعمالها متصلة فلا يحل في أثنائها التشاغل بغيرها، وأعمال الحج متفرقة تحتمل التجارة في أثنائها، وأيضا الآثار لا تساعد ما قاله فقد سمعت ما أخرجه البخاري، وقد أخرج أحمد وغيره عن أبي أمامة التيمي قال سألت ابن عمر فقلت: إنا قوم نكري في هذا الوجه وإن قوما يزعمون أنه لا حج لنا قال: ألستم تلبون ألستم تطوفون بين الصفا والمروة ألستم ألستم؟؟ قلت بلى قال: إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما سألت عنه فلم يدر ما يرد عليه حتى تزلت * (ليس عليكم جناح) * الآية فدعاه فتلا عليه حين نزلت وقال: " أنتم الحجاج " وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يقرأ فيما أخرجه البخاري وعبد ابن حميد وابن جرير وغيرهم عنه * (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) * في مواسم الحج، وكذلك روي عن ابن مسعود، وأيضا - الفاء - في قوله تعالى: * (فإذا أفضتم من عرفات) * ظاهرة في أن هذه الإفاضة حصلت عقيب ابتغاء الفضل وذلك مؤذن بأن المراد وقوع التجارة في زمان الحج، نعم قال بعضهم: إذا كان الداعي للخروج إلى الحج هو التجارة أو كانت جزء العلة أضر ذلك بالحج لأنه ينافي الإخلاص لله تعالى به - وليس بالبعبد - و * (أفضتم) * من الإفاضة من فاض الماء إذا سال منصبا. وأفضته أسلته والهمزة فيه للتعدية، ومفعوله مما التزم حذفه للعلم به، وأصله أفيضتم فنقلت حركة - الياء - إلى - الفاء - قبلها فتحركت - الياء - في الأصل وانفتح ما قبلها الآن فقلبت ألفا ثم حذفت، والمعنى هنا فإذا دفعتم أنفسكم بكثرة من عرفات و * (من) * لابتداء الغاية وعرفات موضع بمنى وهي اسم في لفظ الجمع فلا تجمع قال الفراء: ولا واحد له بصحة، وقول الناس نزلنا عرفة شبيه بمولد - وليس بعربي محض - واعترض عليه بخبر " الحج عرفة " وأجيب بأن عرفة فيه اسم لليوم التاسع من ذي الحجة كما صرح به الراغب والبغوي والكرماني، والذي أنكره استعماله في المكان، فالاعتراض ناشىء من عدم فهم المراد ومن هنا قيل: إنه جمع عرفة وعليه صاحب " شمس العلوم "، والتعدد حينئذ باعتبار تسمية كل جزء من ذلك المكان عرفة كقولهم: جب مذاكيره فلا يرد ما قاله العلامة: من أنه لو سلم كون عرفة عربيا محضا فعرفة وعرفات مدلولهما واحد، وليس ثمة أماكن متعددة كل منها عرفة لتجمع على عرفات، وإنما نون وكسر مع أن فيه العلمية والتأنيث لأن تنوين جمع المؤنث في مقابلة نون جمع المذكر فإن النون في جمع المذكر قائم مقام التنوين الذي في الواحد في المعنى الجامع لأقسام التنوين وهو كونه علامة تمام الاسم فقط، وليس في النون شيء من من معاني الأقسام للتنوين فكذا التنوين في جمع المؤنث علامة لتمام الاسم فقط، وليس فيها أيضا شيء من تلك المعاني سوى المقابلة وليس الممنوع من غير المنصرف هذا التنوين بل تنوين التمكين لأنه الدال على عدم مشابهة الاسم بالفعل وأن ذهاب الكسرة على المذهب المرضي تبع لذهاب التنوين من غير عوض لعدم الصرف، وهنا ليس كذلك - قاله الجمهور - وقال الزمخشري: إنما نون وكسر لأنه منصرف لعدم الفرعيتين المعتبرتين إذ التأنيث
(٨٧)