معنى الشرط، وجوز أن يكون الموصول نصبا على شريطة التفسير، والمشهور أن - الخشية - مرادفة للخوف أي فلا تخافوا الظالمين لأنهم لا يقدرون على نفع ولا ضر، وجوز عود الضمير إلى الناس وفيه بعد. * (واخشوني) * أي وخافوني فلا تخالفوا أمري فإن القادر على كل شيء، واستدل بعض أهل السنة بالآية على حرمة التقية التي يقول بها الإمامية، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك في محله.
* (ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون) * الظاهر من حيث اللفظ أنه عطف على قوله تعالى: * (لئلا يكون) * كأنه قيل: - فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة ولأتم - الخ فهو علة لمذكور أي أمرتكم بذلك لأجمع لكم خير الدارين، أما دنيا فلظهور سلطانكم على المخالفين، وأما عقبى فلاثابتكم الثواب الأوفى ولا يرد الفصل بالاستثناء وما بعده لأنه - كلا فصل - إذ هو من متعلق العلة الأولى، نعم اعترض ببعد المناسبة وبأن إرادة الاهتداء المشعر بها الترجي إنما تصلح علة للأمر بالتولية لا لفعل المأمور به كما هو الظاهر في المعطوف عليه فالظاهر معنى جعله علة لمحذوف أي وأمرتكم بالتولية - والخشية - لإتمام نعمتي عليكم وإرادتي اهتداءكم - والجملة المعللة معطوفة على الجملة المعللة السابقة، أو عطف على علة مقدرة مثل * (واخشوني) * لأحفظكم ولأتم الخ، ورجح بعضهم هذا الوجه بما أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " والترمذي من حديث معاذ بن جبل " تمام النعمة دخول الجنة " ولا يخفى أنه على الوجه الأول قد يؤول الكلام إلى معنى - فاعبدوا، وصلوا متجهين شطر المسجد الحرام لأدخلكم الجنة - والحديث لا يأبى هذا بل يطابقه حذو القذة بالقذة فكونه مرجحا لذلك بمعزل عن التحقيق فإن قيل: إنه تعالى أنزل عند قرب وفاته صلى الله عليه وسلم: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) * (المائدة: 3) فبين أن تمام النعمة إنما حصل ذلك اليوم فكيف قال قبل ذلك بسنين في هذه الآية: * (ولأتم نعمتي عليكم) *؟ أجيب بأن تمام النعمة في كل وقت بما يليق به فتدبر.
* (كمآ أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) * * (كما أرسلنا فيكم رسولا منكم) * متصل بما قبله، فالكاف للتشبيه وهي في موضع نصب على أنه نعت لمصدر محذوف، والتقدير - لأتم نعمتي عليكم - في أمر القبلة أو في الآخرة إتماما مثل إتمام إرسال الرسول، وذكر الإرسال وإرادة الإتمام من إقامة السبب مقام المسبب، و * (فيكم) * متعلق - بأرسلنا - وقدم على المفعول الصريح تعجيلا بإدخال السرور ولما في صفاته من الطول، وقيل: متصل بما بعده أي اذكروني ذكرا مثل ذكري لكم بالإرسال، أو اذكروني بدل إرسالنا فيكم رسولا فالكاف للمقابلة متعلق باذكروني، ومنها يستفاد التشبيه لأن المتقابلين متشابهان ومتبادلان، وإيثار صيغة المتكلم مع الغير بعد التوحيد افتنان وجريان على سنن الكبرياء وإشارة إلى عظمة نعمة هذا الإرسال، وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم * (يتلوا عليكم ءايتنا) * صفة (رسولا) وفيه إشارة إلى طريق إثبات نبوته عليه الصلاة والسلام لأن تلاوة الأمي الآيات الخارجة عن طوق البشر باعتبار بلاغتها واشتمالها على الإخبار بالمغيبات والمصالح التي ينتظم بها أمر المعاد والمعاش أقوى دليل على نبوته * (ويزكيكم) * أي يطهركم من الشرك وهي صفة أخرى للرسول وأتى بها عقب التلاوة لأن التطهير عن ذلك ناشىء عن إظهار المعجزة لمن أراد الله تعالى توفيقه * (ويعلمكم الكتاب والحكمة) * صفة إثر صفة وأخرت لأن تعليم الكتاب وتفهيم ما انطوى عليه من الحكمة الإلهية والأسرار الربانية إنما يكون بعد التخلي عن دنس الشرك ونجس الشك بالاتباع، وأما قبل ذلك فالكفر حجاب، وقدم التزكية على التعليم في هذه الآية وأخرها عنه في دعوة إبراهيم