تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٣٥
عنه احترازا عن اللبس، وقيل: إن أحب أكثر من حب، فلو صيغ منه أفعل لتوهم أنه من المزيد.
* (ولو يرى الذين ظلموا) * أي لو يعلم هؤلاء الذين ظلموا بالاتخاذ المذكور؛ ووضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على أن ذلك - الاتخاذ - ظلم عظيم، وأن اتصاف المتخذين به أمر معلوم مشهور حيث عبر عنه بمطلق الظلم، والموصول والصلة للإشعار بسبب - رؤيتهم العذاب - المفهومة من قوله سبحانه * (إذ يرون العذاب) * أي عاينوا العذاب المعد لهم وأبصروه يوم القيامة، وأورد صيغة المستقبل بعد * (لو) * و * (إذ) * المختصين بالماضي لتحقق مدلوله فيكون ماضيا تأويلا مستقبلا تحقيقا فروعي الجهتان.
* (أن القوة لله جميعا) * ساد مسد مفعولي يرى، وجواب * (لو) * محذوف للإيذان بخروجه عن دائرة البيان، أي لوقعوا من الحسرة والندامة فيما لا يكاد يوصف، وقيل: هو متعلق الجواب - والمفعولان محذوفان - والتقدير ولو يرى الذين ظلموا أندادهم لا تنفع لعلموا أن القوة لله جميعا لا ينفع ولا يضر غيره. وقرأ ابن عامر ونافع ويعقوب * (ترى) * على أن الخطاب له صلى الله عليه وسلم، أو لكل أحد ممن يصلح للخطاب، فالجواب حينئذ - لرأيت أمرا لا يوصف من الهول والفظاعة - وابن عامر * (إذ يرون) * بالبناء للمفعول، ويعقوب * (إن) * بالكسر، وكذا * (وإن الله شديد العذاب) * على الاستئناف أو إضمار القول - أي قائلين ذلك - وفائدة هذه الجملة المبالغة في تهويل الخطب وتفظيع الأمر، فإن اختصاص القوة به تعالى لا يوجب شدة العذاب لجواز تركه عفوا مع القدرة عليه.
* (إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب) * * (إذ تبرأ الذين اتبعوا) * بدل من * (إذ يرون) * (البقرة: 165) مطلقا وجاز الفصل بين البدل والمبدل منه بالجواب ومتعلقه لطول البدل، وجوز أن يكون ظرفا ل‍ * (شديد العذاب) * أو مفعولا - لاذكروا - وزعم بعضهم أنه بدل من مفعول (ترى) على قراءة الخطاب، كما أن * (إذ يرون) * بدل منه أيضا * (وأن القوة) * في موضع بدل الاشتمال من * (العذاب) * ولا يخفى أن هذا يقتضي جواز تعدد البدل ولم يعثر عليه في شيء من " كتب النحو "، وأيضا يرد عليه أن المبدل منه في بدل الاشتمال يجب أن يكون متقاضيا للبدل دالا عليه إجمالا، وأن يكون البدل مشتملا على ضمير المبدل منه - وكلاهما مفقودان - والمعنى: إذ تبرأ الرؤساء المتبعون من الذين اتبعوا أي المرءوسين بقولهم: * (تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون) * (القصص: 63) وقرأ مجاهد الأول: على البناء للفاعل والثاني: على البناء للمفعول، أي تبرأ الأتباع وانفصلوا عن متبوعيهم، وندموا على عبادتهم.
* (ورأوا العذاب) * حال من - الأتباع والمتبوعين - كما في لقيته راكبين - أي رائين له - فالواو - للحال، و (قد) مضمرة، وقيل: عطف على * (تبرأ) * وفيه أنه يؤدي إلى إبدال (إذ رأوا العذاب) من * (إذ يرون العذاب) * (البقرة: 165) وليس فيه كثير فائدة لأن فاعل الفعلين - وإن كانا متغايرين - إلا أن تهويل الوقت باعتبار ما وقع فيه - وهو رؤية العذاب - ولأن الحقيق بالاستفظاع - هو تبرؤهم حال رؤية العذاب - لا هو نفسه، وأجيب أن البدل الوقت المضاف إلى الأمرين، والمبدل منه الوقت المضاف إلى واحد - وهو الرؤية فقط - وفيه أن هذا أيضا لا يخرج ذلك عن الركاكة إذ بعد تهويل الوقت بإضافته إلى - رؤية العذاب - لا حاجة إلى جمعها مع التبري بخلاف ما إذا جعل حالا، فإن البدل هو التبرؤ الواقع في حال رؤية العذاب.
* (وتقطعت بهم الأسباب) * إما عطف على * (تبرأ) * أو * (رأوا) * أو حال، ورجح الأول لأن
(٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 ... » »»