تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ٤٤
- كلوا - في بعض - بطنكم - تعفوا * فإن زمانكم زمن خميص * (ولا يكلمهم الله يوم القي‍امة) * أي كلام رحمة - كما قال الحسن - فلا ينافي سؤاله سبحانه إياهم، وقيل: لا يكلمهم أصلا لمزيد غضبه جل جلاله عليهم، والسؤال بواسطة الملائكة. * (ولا يزكيهم) * أي لا يطهرهم من دنس الذنوب، أو لا يثنى عليهم. * (ولهم عذاب أليم) * أي مؤلم، وقد جاءت هذه الأخبار مرتبة بحسب المعنى، لأنه لما ذكر سبحانه اشتراءهم بذلك - الثمن القليل - وكان كناية عن مطاعمهم الخبيثة الفانية بدأ أولا في الخبر بقوله تعالى: * (ما يأكلون في بطونهم إلا النار) * ثم قابل - كتمانهم الحق - وعدم التكلم به بقوله تعالى: * (ولا يكلمهم الله) * تعالى، وابتنى على - كتمانهم واشترائهم بما أنزل الله تعالى ثمنا قليلا - أنهم شهود زور وأحبار سوء آذوا بهذه الشهادة الباطلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلموه فقوبلوا بقوله سبحانه: * (ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) * وبدأ أولا: بما يقابل فردا فردا، وثانيا: بما يقابل المجموع.
* (أول‍ائك الذين اشتروا الضل‍الة بالهدى والعذاب بالمغفرة فمآ أصبرهم على النار) * * (أول‍ئك الذين اشتروا) * بسبب كتمانهم الحق للمطامع الدنية، والأغراض الدنيوية * (الضل‍الة بالهدى) * في الدنيا * (والعذاب بالمغفرة) * في الآخرة، والجملة إما مستأنفة فإنه لما عظم وعيد الكاتمين كان مظنة أن يسأل عن سبب عظم وعيدهم فقيل: إنهم بسبب الكتمان خسروا الدنيا والآخرة، وإما خبر بعد خبر لأن، والجملة الأولى لبيان شدة وعيدهم، وهذه لبيان شناعة كتمانهم.
* (فما أصبرهم على النار) * أي ما أشد صبرهم، وهو تعجيب للمؤمنين من ارتكابهم موجباتها من غير مبالاة وإلا فأي صبر لهم، و (ما) في مثل هذا التركيب قيل: نكرة تامة - وعليه الجمهور - وقيل: استفهامية ضمنت معنى التعجب - وإليه ذهب الفراء - وقيل: موصولة - وإليه ذهب الأخفش - وحكي عنه أيضا أنها نكرة وموصوفة - وهي على هذه الأقوال - في محل رفع على الابتداء، والجملة خبرها، أو خبرها محذوف إن كانت صفة أو صلة، وتمام الكلام في " كتب النحو ".
* (ذالك بأن الله نزل الكت‍ابب الحق وإن الذين اختلفوا فى الكت‍ابلفى شقاق بعيد) * * (ذلك) * أي مجموع ما ذكر من أكل النار وعدم التكليم والتزكية والعذاب المرتب على الكتمان. * (بأن الله نزل الكت‍ابب الحق) * أي بسبب أن الله تعالى نزل القرآن، أو التوراة متلبسا بالحق ليس فيه شائبة البطلان أصلا فرفضوه - بالتكذيب أو الكتمان -. * (وإن الذين اختلفوا في الكت‍اب) * أي في جنسه - بأن آمنوا ببعض كتب الله تعالى وكفروا ببعض - أو في التوراة، ومعنى (اختلفوا) تخلفوا عن سلوك طريق الحق فيها، أو جعلوا ما بدلوه خلفا عما فيها - أو في القرآن - واختلافهم فيه قول بعضهم: إنه سحر، وبعضهم إنه شعر، وبعضهم إنه أساطير الأولين. * (لفي شقاق) * أي خلاف * (بعيد) * عن الحق موجب لأشد العذاب، وهذه الجملة تذييل لما تقدم معطوفة عليه. ومن الناس من جعل - الواو - للحال والسببية المتقدمة راجعة إليها والتذييل أدخل في الذم كما لا يخفى.
* (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ول‍اكن البر من ءامن بالله واليوم الاخر والمل‍ائكة والكت‍ابوالنبيين وءاتى المال على حبه ذوى القربى واليت‍امى والمس‍اكين وابن السبيل والسآئلين وفي الرقاب وأقام الصلواة وءاتى الزكواة والموفون بعهدهم إذا ع‍اهدوا والصابرين فى البأسآء والضراء وحين البأس أول‍ائك الذين صدقوا وأول‍ائك هم المتقون) * * (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب) *. البر اسم جامع لأنواع الخير والطاعات المقربة إلى الله تعالى - والخطاب لأهل الكتابين - والمراد من * (قبل المشرق والمغرب) * السمتان المعينان، فإن اليهود تصلي - قبل المغرب - إلى بيت المقدس من أفق مكة، والنصارى - قبل المشرق - والآية
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»