تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢ - الصفحة ١٧
أو ادعائي فإنه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل، أولا: تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم بابتغاء مرضاته، وجري العادة الإلهية على أن يؤتي كل أهل ملة وجهة ثانيا: ودفع حجج المخالفين ثالثا: فإن التولية إلى الكعبة تدفع احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلته الكعبة لا الصخرة وهذا النبي يصلي إلى الصخرة فلا يكون النبي الموعود، وبأنه صلى الله عليه وسلم يدعي أنه صاحب شريعة ويتبع قبلتنا وبينهما تدافع لأن عادته سبحانه وتعالى جارية بتخصيص كل صاحب شريعة بقبلة، وتدفع احتجاج المشركين بأنه عليه الصلاة والسلام يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته وترك سبحانه التعميم بعد التخصيص في المرتبة الثالثة اكتفاء بالعموم المستفاد من العلة، وزاد * (من حيث خرجت) * دفعا لتوهم مخالفة حال السفر لحال الحضر بأن يكون حال السفر باقيا على ما كان كما في الصلاة حيث زيد في الحضر ركعتان أو يكون مخيرا بين التوجهين كما في الصوم.
وقد يقال فائدة هذا التكرار الاعتناء بشأن الحكم لأنه من مظان الطعن وكثرة المخالفين فيه لعدم الفرق بين النسخ والبداء، وقيل: لا تكرار فإن الأحوال ثلاثة، كونه في المسجد كونه في البلد خارج المسجد وكونه خارج البلد، فالأول: محمول على الأول، والثاني: على الثاني، والثالث: على الثالث، ولا يخفى أنه مجرد تشه لا يقوم عليه دليل.
* (إلا الذين ظلموا منهم) * إخراج من الناس، وهو بدل على المختار، والمعنى عند القائلين بأن الاستثناء من النفي إثبات: لئلا يكون لأحد من الناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا بالعناد فإن لهم عليكم حجة فإن اليهود منهم يقولون ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا لدين قومه وحبا لبلده، والمشركين منهم يقولون بدا له فرجع إلى قبلة آبائه، ويوشك أن يرجع إلى دينهم، وتسمية هذه الشبهة الباطلة حجة مع أنها عبارة عن البرهان المثبت للمقصود لكونها شبيهة بها باعتبار أنهم يسوقونها مساقها، واعترض بأن صدر الكلام لو تناول هذا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز وإلا لم يصح الاستثناء لأن الحجة مختصة بالحقيقة، ولا محيص سوى أن يراد بالحجة المتمسك حقا كان أو باطلا، وأجيب بأنه لم يستثن شبهتهم عن الحجة بل ذواتهم عن الناس إلا أنه لزم تسمية شبهتهم حجة باعتبار مفهوم المخالفة فلا حاجة إلى تناول الصدر إياها، وأنت تعلم أن مراد المعترض إن الاستثناء وإن كان من الناس إلا أنه يثبت به ما نفي عن المستثني منه للمستثني بناء على أن الاستثناء من النفي إثبات فإن كان الصدر مشتملا على ما أثبت للمستثني لزم الجمع وإلا لم يتحقق الاستثناء بمقتضاه إذ الثابت للمستثنى منه شيء وللمستثنى شيء آخر، ولا محيص للتفصي عن ذلك إلا أن يراد بالحجة المتمسك أو ما يطلق عليه الحجة في الجملة فيتحقق حينئذ الاستثناء بمقتضاه لأن الشبهة حجة بهذا المعنى كالبرهان، ولا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولك أن تحمل الحجة على الاحتجاج والمنازعة كما في قوله تعالى: * (لا حجة بيننا وبينكم) * (الشورى: 15) فأمر الاستثناء حينئذ واضح إلا أن صوغ الكلام بعيد عن الاستعمال عند إرادة هذا المعنى، وقيل: الاستثناء منقطع، وهو من تأكيد الشيء بضده وإثباته بنفيه، والمعنى إن يكن لهم حجة فهي الظلم والظلم لا يمكن أن يكون حجة فحجتهم غير ممكنة أصلا فهو إثبات بطريق البرهان على حد قوله:
ولا عيب فيهم غير أن نزيلهم * (يلام) بنسيان الأحبة والوطن وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما (ألا) بالفتح والتخفيف وهي حرف يستفتح به الكلام لينبه السامع إلى الإصغاء، و * (الذين) * مبتدأ خبره قوله تعالى: * (فلا تخشوهم) * والفاء زائدة فيه للتأكيد، وقيل: لتضمن المبتدأ
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»