والرحمة تقدم معناها وأتى بعلى إشارة إلى أنهم منغمسون في ذلك وقد غشيهم وتجللهم فهو أبلغ من اللام، وجمع (صلوات) للإشارة إلى أنها مشتملة على أنواع كثيرة على حسب اختلاف الصفات التي بها الثناء والمعاصي التي تتعلق بها المغفرة، وقيل: للإيذان بأن المراد صلاة بعد صلاة على حد التثنية في " لبيك وسعديك " وفيه أن مجيء الجمع لمجرد التكرار لم يوجد له نظير، والتنوين فيها وكذا فيما عطف عليها للتفخيم والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم لإظهار مزيد العناية بهم، - ومن - ابتدائية، وقيل: تبعيضية، وثم مضاف محذوف أي: من (صلوات) ربهم، وأتى بالجملة اسمية للإشارة إلى أن نزول ذلك عليهم في الدنيا والآخرة. فقد أخرج ابن أبي حاتم، والطبراني، والبيهقي في " شعب الإيمان " عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه مرفوعا: " من استرجع عند المصيبة جبر الله تعالى مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه ".
* (وأولائك) * إشارة كسابقه إلى الصابرين المنعوتين بما ذكر من النعوت، والتكرير لإظهار كمال العناية بهم، ويجوز أن يكون إشارة إليهم باعتبار حيازتهم ما ذكر من - الصلوات والرحمة - المترتبة على ما تقدم، فعلى الأول المراد بالاعتداء في قوله عز شأنه * (هم المهتدون) * هو الاهتداء للحق والصواب مطلقا، والجملة مقررة لما قبل كأنه قيل: وأولئك هم المختصون بالاهتداء لكل حق وصواب، ولذلك استرجعوا واستسلموا لقضاء الله تعالى، وعلى الثاني هو الاهتداء والفوز بالمطالب، والمعنى: أولئك هم الفائزون بمطالبهم الدينية والدنيوية فإن من مال كما تزكية الله تعالى ورحمته لم يفته مطلب.
ومن باب الإشارة والتأويل: * (يا أيها الذين آمنوا) * الإيمان العياني * (استعينوا بالصبر) * معي عند سطوات تجليات عظمتي وكبريائي، * (والصلاة) * أي الشهود الحقيقي * (إن الله مع الصابرين) * (البقرة: 153) المطيقين لتجليات أنواري * (ولا تقولوا لمن) * يجعل فانيا مقتولا في سلوك سبيل التوحيد * (أموات) * أي عجزة مساكين بل هم أحياء عند ربهم بالحياة الحقيقية الدائمة السرمدية شهداء لله تعالى قادرون به * (ولكن لا تشعرون) * (البقرة: 154) لعمى بصيرتكم وحرمانكم من النور الذي تبصر به القلوب أعيان عالم القدس وحقائق الأرواح * (ولنبلونكم بشيء من الخوف) * أي خوفي الموجب لانكسار النفس وانهزامها * (والجوع) * الموجب لهتك البدن وضعف القوى ورفع حجاب الهوى وتضييق مجاري الشيطان إلى القلب * (ونقص من الأموال) * التي هي مواد الشهوات المقوية للنفس الزائدة في طغيانها * (والأنفس) * المستولية على القلب بصفاتها أو أنفس الأحباب الذين تأوون إليهم لتنقطعوا إلى * (والثمرات) * أي الملاذ النفسانية لتلتذوا بالمكاشفات والمعارف القلبية والمشاهدات الروحية عند صفاء بواطنكم وخلوص نضار قلوبكم بنار الرياضة * (وبشر الصابرين) * (البقرة: 551) معي بي أو عن مألوفاتهم بلذة محبتي * (الذين إذا أصباتهم مصيبة) * من تصرفاتي فيهم شاهدوا آثار قدرتي بل أنوار تجليات صفتي واستسلموا وأيقنوا أنهم ملكي أتصرف فيه بتجلياتي وتفانوا في وشاهدوا هلكهم بي - فقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات - من ربهم بالوجود الموهوب لهم بعد الفناء المنهلة عليه صفاتي الساطعة عليه أنواري * (ورحمة) * أي هداية يهدون بها خلقي، ومن أراد التوجه نحوي * (وأولئك هم المهتدون) * بي الواصلون إلى بعد تخلصهم من وجودهم الذي هو الذنب الأعظم عندي.
* (إن الصفا والمروة من شعآئر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم) * * (إن الصفا والمروة من شعآئر الله) * لما أشار سبحانه فيما تقدم إلى الجهاد عقب ذلك ببيان معالم الحج فكأنه جمع بين الحج والغزو، وفيهما شق الأنفس وتلف الأموال، وقيل: لما ذكر الصبر عقبه ببحث الحج